صور من ألبوم العبث - عبدالحكيم الفقيه

(1)
هذه تربة تعشق الشوك
تعشق سحب الفصول العقيمة
تمتص ما تحتويه الشرايين
تبتلع الأمنيات
توزع أشجارها خشبا للنعوش
تضاريسها كتل من ركام العظام
تغلف وديانها بالشحوب
وتقطن اغوارها ولولات الجنائز
تطمس أعشابها
وترعرع أظفارها تنهش الضحكات التي تتأبطها أغنيات الحنين ....
الحنين إلى رونق حاضن لبذور الحياة .....
الحياة التي تتناسل أوصافها في تراب الجماجم .
أواه
تنتحر القبرات
تموت العصافير في جوف أعشاشها
تتوارى الينابيع
تضحي السواقي دروباً لسيل النحيب .....
النحيب الذي يترقرق من حشرجات الأزاهير والراعيات
الأزاهير في ذروة الانقراض
الرماد يشكل خارطة للتلال
يعلق أنيابه معلماً في ممر الجفاف .
هي الأرض توشك أن تدخل الآن مرحلة الاحتضار
وتعلن بيعتها للقبور
ترى من بٌإمكانه أن يحركها لو إذا أطلقت صافرات السكون ؟
(2)
مثل شمس القبور تنير القناديل في شارع الاحتمالات
والحزن يكتظ فوق الرصيف، وتمتد عبر الأثير الملطخ بالخوف
أنسجة العبث المستبيح تخبط أزمنة الحلم فوق مكان الوساوس .
من أي ناحية يتسرب هذا الأنين الهلامي ؟ هذا المدى
المتورم بالاضطراب المنظم ؟ هل هادن الوقت عقرب ساعته
حين مرت أمام الحشود التي تتأمل من شرفة الأمنيات الفراشات
حاضنة ضوء ألوانها والأفاعي تفتح أفواهها تتصيد لحظة
عثرتها في السقوط على ورق الانكسار .
يساور نبض القلوب شكوك التجارب بحثا عن النبع ...
نبع الهوى المترقرق مثل انتشاء عيون الحبيبين
لحظة بدء العناق المدثر بالقبلات
أحان تخلي السماء - التي أدخرت ضوءها والغيوم النقاء
الذي يتلألأ من ثقب بوصلة الانبياء - عن الأرض
والكائنات الحزينة فوق مناكبها القاحلات ؟
متى يتعانق طير السئوالات بالعش عش الاجابة فوق
غصون الحقيقة في واحة الاتضاح ؟
لماذا تخط الأنامل عند مداخل باب الحوارات لا صوت يعلو
على نبرات النشيد الخرافي ؟ منذ متى والجماجم مختومة والسماء
تؤرخ تفكيرها في القراطيس ؟ والأرض تغلق هامشها
وتنام على تمتمات القباب وتصحو على تمتمات القباب ؟ بماذا يدلل
صوت المغني على ضوء فانوس أنغامه ؟ وبماذا تدلل
ملهمة الشعراء على بعدها من مرايا السماوات ؟
تأوى الغياهب في الكهف
والكون كهف يدور
وظل المآذن يختال في عرصات العقول .
(3)
يبيع الربيع ينابيعه بالمزاد ويمضي إلى أن يحط الرحال
على مقعد في مقاهي الغياب هنالك يغفو ليصحو على موعد
آخر حينما يتلاشى آذار رماداً يغور بأقصى التراب
وتبقى ملامحه بسمة في شفاه القصائد ، نرجسة في خدود
الصبايا وذكرى لفاكهة في يد الفقراء
الربيع الذي انتخبته الغصون خليلا لاعشاشها، انتخبته
فتاة أمينا لاسرارها القاطنات الرموش ، الظفيرة ، والناهدين.
ارتآه المتيم واسطة بين تربة قلبه وامراة
أثقل الحلم أجواء وجدانها سحباً من حنان . بكى حين جرده
الوقت من عنفوان التوهج وانطفأت جذوة الابتهاج
وخر المدى راكعا يتوسل هذي الفصول التي تتعاقب
والقدم الشتوي يدنس
كل بقايا الجمال
(4)
حين لاح غبار الردى
انتفض العشب مرتجفا
وارتدى قطرات الندى
والصراخ الذي أطلقته الوريقات عبر المسافات شاخ سدى
للفراغات لون الحياة ورائحة الانكفاء على الصمت
والريح تبكي على شجن التل من إنتحار الصدى
والجفاف دنى والحقول تحدق مفجوعة من مخالبه وهي تنهش
اجساده
والفريسة حين تكون من الطين
تعوي وترقص في ظل أذيالها الواقفات
ذئاب العطش .
(5)
ينفق الناس أيامهم
تتناقص أرصدة العمر في مصرف الوقت
سوق التعاسة مزدحم
والحوانيت مفعمة بالتساؤل
والرد مكتنز في جيوب الزمان .....
الزمان الذي يتثلث بين الأنين الذي مر
بين النشيج الذي يتعالى
وبين الذي سوف يأتي
يقول الذي أدمن الحلم أن الذي سوف يأتي له بصمات الغموض
روائحه قادمات بلا عبق
وهو مختبيء في صناديق هذا الذي أدمن الحلم
والحلم حين تجيء به الاحتمالات منتشرا كالدخان
يلملم أجزاءه
ويؤسس كوخا من الاتضاح هنالك عند ضفاف الحقيقة
هلا نحاول رصد مسارات أحلامنا في مدى الاحتمال ؟
(6)
كراعية تتسكع أصواتها في فضاء البراري تحملق بائعة
الورد في أوجه العابرين مفتشة عن عيون تلائم لون
النراجس عن فاتنات تناسب ألوان بشرتها باقة الياسمين .
الجنود يمرون لا يلمحون الورود فتطلق قبوة كاذي نهدتها
والبنادق تفتح أفواهها للعصافير وهي تخط الوصايا على ريشها
بأصابعها تحسب الوقت بائعة الورد
والناس ينهمرون على قارعات الرصيف
وقلب المدينة لا يعرف النبض
وامرأة في الثمانين من عمرها تتوقف في الجسر
تمنح للنهر رؤيتها والسعال
وتسترجع الذكريات
وتضحك دامعة حين بان بياض جديلتها فوق سطح المياه .
في الطريق إلى دارها وضعت عملة في يد امرأة ذاقت الحرب
أولادها ، تتسول ، ثم أشترت كومة من بياض المناديل
وامتثلت للبكاء .
(7)
ربما يتلاشى أنين المساء .... عويل القناديل
رعب الكوابيس .... صوت العفاريت في طرقات الأساطير
أو ربما يتطهر جو المقاهي من عفن المخبرين .
ربما يتساقط عن شجر العشق غصن المآسي
أو قد يذوب جليد التشاؤم قدام كوخ إنتظار النقيض ...
النقيض المزخرف بالضحكات
وقد يتوهج نجم الأماني فوق ركام الدجى
غير أن الأزاهير لن تتفتح في واحة القلب
إلا إذا أيقنت أن نحل العناق دنى ساكباً فوق
جمر الحنين غيول الطنين .
(8)
القصائد تمنح أوسمة تتلألأ مثل قلوب الصغار
توزعها للرياح
لريح تداعب نافذة عاهدت أن تكسر قضبانها وتغني
لريح تدغدغ راية جيش الضياء
لريح تزيح الغبار المهيمن فوق تويج البنفسج
للريح وهي تبيح الأريج
وتفرش تحت نعال المشاة الصدور التي تتوسع في الملصقات
لريح تسوق السحابة فوق حقول الجياع
لريح تلاقح بين الرؤى والأماني
لماذا تباعد هذي الدقائق بين القصائد والريح ؟
(9)
عدم بين قوسيه تمشي القوافل والناس والماء
تمشي الحياة نهاراتها والمساءات
أكواخها والقصور
العراك الذي يتسلسل عبر الزمان الذي يتسلسل فوق البقاع
التي تتسلسل ما بين قوسيه محتدم بين قلبين
قلب تضخ شرايينه دمها تستقي منه نخلة عشق
تقدم رطباً وظلا مشاعا لكل الجياع الذين ظهورهمو
احدودبت من صخور التعاسة والبؤس والجلدات
وقلب يعشعش في جوفه الحقد
تنخر سوس الضغينة صمامه
والشرايين فيه جحور الأفاعي
فقد كبر الآن مقتاً لدى الشعر أن تتطاول هذي
الأفاعي فوق النخيل.
(10)
في الطريق رماد ..... دخان ..... فتافيت سبورة
أحرف هربت من عمود الجريدة
مستنقع من سعال العجائز
زوبعة لا تجيد التحرك
أغنية
صورة يكره العابرون ملامحها
لافتات تثير التقيؤ
ترزح كل الشوارع تحت سياط الوجوم .
الجنود يعبون أسرارهم في الثقوب التي فتحتها القذائف
في واجهات البيوت
الدكاكين تغرس في مقل الفقراء سكاكينها
وتشكل ديكورها من جماجمهم
والكراسي تسوق المآسي بحجم الرواسي
تنصبها فوق صدر فتاة يسيج تشرين بستان أحلامها
هل تناسى الرصيف تضاريس تاريخه ؟
أين غابت حجارته والأصابع ؟
كيف استكانت دقائقه ؟
من يذكره أن يؤلبها الهمهمات
ويصنع ملحمة من غضب ؟