هكذا أمضي - عبدالله البردوني

سهدت و أوصاني جميل سهادي
فأهرقت في النسيان كأس رقادي

و سامرت في جفن السهاد سرائرا
لطافا كذكرى من عهود وداد

و نادمت وحي الفنّ أحسو رحيقه
و أحسّو و قلبي في الجوانح صادي

إذا رمت نوما قلقل الشوق مرقدي
و هزّت بنات الذكريات و سادي

و هازجني من أعين اللّيل هاتف
من السحر في عينيه موج سواد

له شوق مهجور ، و فتنه هاجر
و أسرار حيّ في سكون جماد

له تارة طبع البخيل ... و تارة
له خلق مطواع و طبع جواد

تدور عليه الشهب و سنى كأنّها
بقيّة جمر في غصون رماد

***

لك الله يا بن الشعر كم تعصر الدجى
أغاريد عرس أو نحيب حداد

تنوح على الأوتار حينا و تارة
تغنّي وحينا تشتكي و تنادي

كأنّك في ظلّ السكينه جدول
يغنّي لواد أو ينوح لوادي

هو الشعر .. لي في الشعر دنيا حدودها
وراء التمنّي خلف كلّ بعاد

ألا فلتضق عنّي البلاد فلم يضق
طموحي و إن ضاقت رحاب بلادي

و لا ضاق صدري بالهموم لأنّها
بنات فؤاد فيه ألف فؤدا

ولا قهرت نفسي الخطوب و كم غدت
تراوحني أهوالها و تغادي

***

قطعت طريق المجد و الصبر وحده
رفيقي ، و مائي في الطريق وزادي

و ما زلت أمشي الدرب و الدرب كلّه
مسارب حيّات و كيد أعادي

و لي في ضميري ألف دنيا من المنى
و فجر من الذكرى وروضة شادي

و لي من لهيب الشوق في حيرة السرى
دليل إلى الشأو البعيد و حادي

هو الصبر زادي في المسير لغايتي
و إن عدت عنها فهو زاد معادي

و لا : لم أعد عن غايتي ؛ لم أعد و لم
يكفكف عناد العاصفات عنادي

فجوري عليّ يا حياة أو ارفقي
فلن أنثني عن وجهتي و مرادي

فإنّ الرزايا نضج روحي و إنّها
غذاء لتاريخي ووري زنادي

***

سأمضي و لو لاقيت في كلّ خطوة
حسام " يزيد " أو وعيد " زياد "

ألا عكذا أمضي و أمضي و مسلكي
رؤوس شياطين و شوك قتاد

ولو أخّرت رجلي خطاها قطعتها
و ألقيت في كفّ الرياح قيادي

فلا مهجتي منّي إذا راعها الشقا
و لا الرأس منّي إن حنته عوادي

و لا الروح منّي إن تباكت و إن شكا
فؤادي أساه فهو ليس فؤادي

هو العمر ميدان الصراع و هل ترى
فتى شقّ ميدانا بغير جهاد ؟

*************************************************

حين يصحو الشعب

جمادى الآخر 1379 ه ، قيلت هذه القصيدة قبل الثورة بثلاث سنوات .

أعذر الظلم و حمّلنا الملاما
نحن أرضعناه في المهد احتراما

نحن دلّلناه طفلا في الصبا
و حملناه إلى العرش غلاما

و بنينا بدمانا عرشه
فانثنى يهدمنا حين تسامى

و غرسنا عمره في دمنا
فجنيناه سجونا و حماما

***

لا تلم قادتنا إن ظلموا
و لم الشعب الذي أعطى الزماما

كيف يرعى الغنم الذئب الذي
ينهش اللّحم و يمتصّ العظاما

قد يخاف الذئب لو لم يلق من
نلبه كلّ قطيع يتحامى

و يعفّ الظالم الجلّاد لو
لم تقلّده ضحاياه الحساما

لا تلم دولتنا إن أشبعت
شرّه المخمور من جوع اليتامى

نحن نسقيها دمانا خمرة
و نغنّيها فتزداد أواما

و نهنّي مستبدا ، زاده
جثث القتلى و أكباد الأيامى

كيف تصحو دولة خمرتها
من دماء الشعب و الشعب الندامى ؟

***

آه منّا آه ! ما أجهلنا ؟ !
بعضنا يعمى و بعض يتعامى

نأكل الجوع و نستسقي الظما
و ننادي " يحفظ الله الإماما "

سل ضحايا الظلم تخبر أنّنا
وطن هدهده الجهل فناما

دولة " الأجواخ " لا تحنو و لا
تعرف العدل و لا ترعى الذماما

تأكل الشعب و لا يسري إلى
مقلتيها طيفه العاني لماما

و هو يسقيها و يظمى حولها
و يغذّيها و لم يملك طعاما

تشرب الدمع فيظميها فهل
ترتوي ؟ كلّا : و لم تشبع أثاما

عقلها حول يديها فاتح
فمه يلتقم الشعب التقاما

***

يا زفير الشعب : حرّق دولة
تحتسي من جرحك القاني مداما

لا تقل : قد سئمت إجرامها
من رأى الحيّات قد صارت حماما ؟

أنت بانيها فجرّب هدمها
هدم ما شيّدته أدنى مراما

لا تقل فيها قوى الموت و قل :
ضعفنا صوّرها موتا زؤاما

***

سوف تدري دولة الظلم غدا
حين يصحو الشعب من أقوى انتقاما

سوف تدري لمن النصر إذا
أيقظ البعث العفاريت النياما

إنّ خلف اللّيل فجرا نائما
وغدا يصحو فيجتاح الظلاما

و غدا تخضرّ أرضي ، و ترى
في مكان الشوك وردا و خزامى