مع الحياة - عبدالله البردوني

يا حياتي و يا حياتي إلى كم
أحتسي من يديك صابا و علقم

و إلى كم أموت فيك و أحيا
أين منّي القضا الأخير المحتّم

أسلميني إلى الممات فإنّي
أجد الموت منك أحنى و أرحم

و إذا العيش كان ذلّا و تعذيـ
با فإنّ الممات أنجى و أعصم

***

ما حياتي إلاّ طريق من الأشـ
واك أمشي بها على الجرح و الدم

و كأنّي أدوس قلبي على النا
ر و أمضي على الأنين المضرّم

لم أفت مأتما من العمر إلاّ
و ألاقي من بعده ألف مأتم

و حياة الشّقا على الشاعر الحسّـ
اس أدهى من الجحيم و أدهم

***

و أنا شاعر و ما الشعر إلاّ
خفقاتي تذوب شجوا منغّم

شاعر صان دمعه فتغنّى
بلغات الدموع شعرا متيّم

علّمته الطيور أحزانها البكـ
ما فغنّى مع الطيور و رنّم

***

إيه يا شاعر الحياة و ماذا
نلت منها إلاّ الرجاء المعشّم

أنت باك تحنو على كلّ باك
أنت قلب على القلوب مقسّم

قد قرأت الحياة درسا فدرسا
و تجّليت كلّ سرّ مكتّم

فرأيت الحياة لم تصف إلاّ
لعبيد الحطام و الذلّ و الدم

طيبها للئام لا الملهم الشا
دي و هيهات أن تطيب لملهم

***

أيّهاذي الحياة ما أنت إلاّ
أمل في جوانح اليأس مبهم

غرّة تضحك العبوس و تبكي
فرحا هانئا و تشقي منعّم

***

يا حياتي و ما حياتي و ما معـ
نى وجودي فيها لأشقى و أظلم

ربّ رحماك فالمتاه طويل
و الدجا في الطريق حيران أبكم

قد أتيت الحياة بالرغم منّي
و سأمضي عنها إلى القبر مرغم

أنا فيها مسافر زادي الأحـ
لام و الشعر و الخيال المجسّم

و شرابي و همّي , و آهي أغاريـ
دي نوري عمى الظلام المطلسم

ليس لي من غضارة النور لحظ
لا و لا فقي يدي سوى الظفر درهم

ليت شعري مالي إذا رمت شيئا
حال بيني و بينه القفر و اليم

لم أجد ما أريد حتّى الخطايا
أحرام عليّ حتّى جهنّم

كلّ شيء أرومه لم أنله
ليتني لم أرد و لا كنت أفهم

أنا أحيا مع الحياة و لكن
عمري ميّت الأماني محطّم

ليتني – و الحياة غرم و غنم –
نلت من صفوها على العمر مغنم .