بين ذهاب و معاد - عبدالله البردوني

تلفّتت كالسارق الخائف
إلى العشيق اللّاهث الراجف

مذعورة ترتاع من خطوها
من الخيال الكاذب الطائف

شرشفها المذعور كالغصن في
جوّ الخريف الأصفر العاصف

تمشي و يمشي إثرها و الدجى
حوليهما كالراهب العاكف

وانطلقت وانقضّ في إثرها
كالبرق في إيماضه الخاطف

***

حتّى احتوى شخصيهما مخدع
غضّ كأفراح الصبا الوارف

فاللّيل رقص عابث كالصبا
و معزف يشدو بلا عازف

ولاح وهمان لعينيهما
كواقف ريصغي إلى واقف

فقنّعت وجهيهما صفرة
كذكريات المذنب الآسف

و أعتم الجوّ فلم يخشيا
على ستار الحبّ من كاشف

و أنصت اللّيل ولم يستمع
إلاّ شكاوى عمره التالف

كأنّه شيخ على وجهه
مقبرة من عهده السالف

شيخ له وجه كدجل الرؤى
ولحية تدعو يد الناتف

أصغى فلم يسمع سوى غيمة
و ثرثرات المطر الواكف

و خطو فلّاح هناك انحنى
يمحو بقايا العرق النازف

***

هنا اطمأنّت واطمأنّ الفتى
إلى اللّقاء الصاخب القاصف

و حدّقت في مجه محبوبها
تحديقة الظامي إلى الغارف

ووسوست ما سرّ إطراقه
و ما ورا إطراقه العارف ؟ !

هل أذهلته فتنتي أم أنا
أسعى وراء الموعد الآزف ؟

هل أجتديه ؟ آه أم ألتجي
إلى سلاحي المدمع الذارف ؟ !

أم لا ينمّ الوجه عن قلبه ؟
أم حبّه كالدرهم الزائف ؟

لا : لم يكن : إنّي أرى قلبه
في عينه كالشّره الواجف

عيناه في عينيّ لكن متى
يدني فمي من فمه الراشف ؟

و أومأت في ثغرها بسمة
إيماءة الزهر إلى القاطف

فضجّ في أحشاءه موكب
من الحنين الدافق الجارف

فضمّها حتّى ارتمت و ارتمى
على السرير الناعم العاطفي

فضمّ سكّيرا و سكّيره
و شدّ مشغوفا إلى شاغف

***

و عاد و الفجر وراء الدجى
لمح كهجس الخاطر الكاسف

و فجأة أومت بنان السنى
أيماءة الحسن ؟إلى الواصف

و أقبل الفجر و في جيده
قلادة من جرحه الراعف

فالدرب في إشراقه جدول
مزغرد في جدول هاتف

و كبرياء البعث أهزوجة
على شفاه الموكب الزاحف