كيف أنسى - عبدالله البردوني

هيهات أن أنسى هواك و كلّما
حاولت أن أنسى ذكرتك مغرما

يا للشجون و كيف أنسى و الأسى
يقتات أوصالي و ينتزف الدما

يا أخت روحي و ابتسام طفولتي
و بكا شبابي – آه . ما ألقى و ما

خلّفتني وحدي ألوك حشاشتي
أسفا و أفنى حرقة و تضرّما

وحدي مع الأمل الذبيح تطوف بي
ذكر متيّمة يشقن متيّما

و اليوم إنّي حول قبرك صامت
أقتات من جوعي و أستسقي الظما

و أقبّل القبر الحبيب و منيتي
لو أنّ لي في كلّ جارحة فما

و أسائل الصمت الرهيب كأنّني
جوعان محتضر يسائل معدما

***

يا من أناديها و يخنقني البكا
و يكاد صمت الدمع أن يتكلّما

فارقت في مثواك رفق أبوّتي
و فقدت عطف الأم فيك مجسّما

يا قلبي الدامي و آه و أين من
فاضت عليّ عواطفا و ترحّما

غابت و غبت و كلّما فارقتها
لاقيتها في الذكريات توهّما

مالي أناجيها و كيف و كلّما
ناجيتها ناجيت قبرا أبكما

***

وافيت قبرك و السكون يلفّه
و سكينة الأجداث تحيي المأتما

فسألت وارتجف السؤال متى اللّقا
فعصى الجواب لسانه و تلعثما

فذكرت أنّ الموت خاتمة اللّقا
فقلت آمالي و ليت و ربّما

و تألّمت روحي ووجداني إلى
أن كادت الآلام أن تتألّما

***

يا روع قلبي كيف أنسى روضة
حضنت صبا عمري فرفّ منعّما

كم دلّلتني بالحنان و لم تكن
أمّي و قد كانت أرقّ و أرحما

حتّى عميت فكاد يعميها البكا
و حنانها الباكي يشاركني العمى

***

كم صارعت عنت الخطوب و ما مضت
من ظالم إلاّ تلقّت أظلما

و مشت على شوك الحياة و هولها
و كأنّها كانت تدوس جهنّما

فرمت إلى حضن الممات كيانها
و تبدّلت بالكدّ عيشا أنعما

و تبرّمت بحياتها الضنكى و من
برمت به متع الحياة تبرّما

و حييت بعد مماتها ميت الهنا
حيّا أموت تأوّها و تألّما