ميلاد الربيع - عبدالله البردوني

ولد الربيع معطّر الأنوار
غرّد الهوى و مجنّح الأشعار

و مضت مواكبه على الدنيا كما
تمضي يد الشادي على الأوتار

جذلان أحلى من محاورة المنى
و أحبّ من نجوى الخيال السّاري

و ألذّ من سحر الصبا و أرقّ من
صمت الدموع ورعشة القيثار

هبط الربيع على الحياة كأنّه
بعث يعيد طفوله الأعمار

فصبت به الأرض الوقور و غرّدت
و تراقصت فتن الجمال العاري

و كأنّه في كلّ واد مرقص
مرح اللّحون معربد المزمار

و بكلّ سفح عاشق مترنّم
و بكلّ رابية لسان قاري

و بكلّ منعطف هدير حمامة
و بكلّ حانية نشيد هزار

و بكلّ روض شاعر يذرو الغنا
فوق الرّبا و عرائس الأزهار

و كأنّ أزهار الغصون عرائس
بيض معندمة الشفاه عواري

و خرائد زهر الصبا يسفرن عن
ثغر لؤاليّ و خدّ ناري

من كلّ ساحرة الجمال تهزّها
قبل الندي و بكا الغدير الجاري

و شفاه أنفاس النسيم تدبّ في
بسماتها في الأفكار

فتن و آيات تشعّ و تنتشي
كالحور بين تبسّم و حوار

ناريّة الألوان فردوسيّة
ذهبيّة الآصال و الأسحار

آذار يا فصل الصبابة و الصبا
و مراقص الأحلام و الأوطار

يا حانه اللّحن الفريد و ملتقى
نجوى الطروب و لوعة المحتار

أجواؤك الفضّيّة الزرقا جلت
صور الهنا و عواطف الأقدار

و محا هواك الشتا القاسي كما
يمحو المتاب صحفيّة الأوزار

في جوّك الشعري نشيد حالم
و عباقر شمّ الخيال عذاري

***

ما أنت إلاّ بسمة قدسيّة
ريّا الشفاه عميقة الأسرار

و بشائر مخصّلة و ترنّم
عبق أنيق السحر و السحار