عذاب و لحن - عبدالله البردوني

لمن أرعش الوتر المجهدا
و أشدو و ليس لشدوي مدى ؟

و أنهي الغناء الجميل البديع
لكي أبدا الأحسن الأجودا

و أستنشد الصمت وحدي هنا
و أخيلتي تعبّر السرمدا

فأسترجع الأمس من قبره
و أهوى غدا قبل أن يولدا

و أستنبت الرمل بالأمنيات ؛
زهورا ، و أستنطق الجلمدا

و حينا أنادي و ما من مجيب
و حينا أجيب و ما من ندا

و أبكي و لكن بكاء الطيور
فيدعوني الشاعر المنشدا

***

لمن أعزف الدمع لحنا رقيقا
كسحر الصبا كابتسام الهدى ؟

لعينيك نغّمت قيثارتي
و أنطقتها النغم الأخلدا

أغنّيك وحدي و ظلّ القنوط ؛
أمامي و خلفي كطيف الردى

و أشدو بذكراك لم تسألي
لمن ذلك الشدو أو من شدا ؟

كأن نكن نلتقي و الهوى
يدلّل تاريخنا الأمردا

و حبّي يغنّيك أصبى اللّحون ؛
فيحمرّ في وجنتيك الصدى

و نمشي كطفلين لم نكترث
بما أصلح الدهر الدهر أو أفسدا

و نزهو كأنا ملكنا الوجود ؛
و كان لنا قبل أن يوجدا

و ملعبنا جدول من عبير
إذا مسّه خطونا ... غرّدا

و أفراحنا كشفاه الزهور ؛
تهامسها قبلات الندى

أكاد أضمّ عهود اللّقاء ؛
و ألثمها مشهدا مشهدا

و أجترّ ميلاد تاريخنا
و أنتشق المهد و المولدا

و أذكر كيف التقينا هناك ؛
و كيف سبقنا هنا الموعدا ؟

و كيف افترقنا على رغمنا ؟
و ضعنا : و ضاع هوانا سدى

حطّمنا الكؤوس و لم نرتوي
و عدت أمدّ إليها اليدا

و أخدع بالوهم جوع الحنين ؛
كما يخدع الحلم الهجّدا

أحنّ فأقتات ذكرى اللّقا
لعلّي بذكراه أن أسهدا

و أقتطف الصفو من وهمه
كما يقطف الواهم الفرقدا

أتدرين أين غرسنا المنى ؟
و كيف ذوت قبل أن نحصدا ؟

تذكّرت فاحترت في الذكريا
ت و حيّرت أطيافها الشرّدا

إذا قلت : كيف انتهى حبّنا ؟
أجاب السؤال : و كيف ابتدا ؟

فأطرقت أحسو بقايا البكا
ء و قد أوشك الدمع أن ينفدا

و أبكى مواسمك العاطرا
ت و أيّامها الغضّة الخرّدا

و من فاته الرغد في يومه
مضى يندب الماضي الأرغدا

***

أصيخي إلى قصّتي إنّني
أقصّ هنا الجانب الأنكدا

أمضّ الأسى أن تجوز الخطوب
و أشكو فلا أجد المسعدا

و أشقى و يشقى بي الحاسدون
و ما نلت ما يخلق الحسّدا

علام يعادونني ! لم أجد
سوى ما يسرّ ألدّ العدا !

حياتي عذاب و لحن حزين
فهل لعذابي و لحني مدى ؟