فجر النبوّة - عبدالله البردوني

صور الجلال وزهوة الأمجاد
سكبت نمير الوحي في إنشادي

صور من الأمس البعيد حوافل
بالذكريات روائح و غوادي

خطرت تعيد مشاهد الماضي إلى الـ
يوم الجديد إلى الغد المتهادي

حملت من الميلاد أروع آيه
غمرت متاه الكون بالإرشاد

زمر من الذكرى تروح و تغتدي
و تشقّ أبعادا إلى أبعاد

و تزفّ وحي المولد الزاهي كما
زفّ النسيم شذا الربيع الشادي

***

يا فجر ميلاد النبوّة هذه
ذكراك فجرا دائم الميلاد

و تهلّل الكون البهيج كأنّه
حفل من الأعراس و الأعياد

و أفاقت الوثنيّة الحيرى على
فجر الهدى و على الرسول الهادي

فمواكب البشرى هناك و ها هنا
تنبي الوجود بأكرم الأولاد

و المجد ينتظر الوليد كأنّه
و المجد و العليا على ميعاد

و ترعرع الطفل الرسول فهبّ في
دنيا الفساد يبيد كلّ فساد

و سرى كما تسري الكواكب ساخرا
بالشوك بالعقبات و الأنجاد

بالغدر يسعى خلفه و أمامه
بالهول بالإبراق بالإرعاد

لا ... لم يزل يمشي إلى غاياته
و طريقه لهب من الأحقاد

فدعى قريشا للهدى و سيوفها
تهفو إلى دمه من الأغماد

فمضى يشقّ طريقه و يطير في
أفق العلا و الموت بالمرصاد

و يدوس أخطار العداوة ماضيا
في السير لا واه و لا متمادي

لا يركب الأخطار إلاّ مثلها
خطر يعادي في العلا و يعادي

نادى الرسول إلى السعادة و الهنا
فصغت إليه حواضر و بوادي

و تصاممت فئة الضلالة و اعتدت
فأتى إليها كالأتيّ العادي

واهتاجت الهيجا فأصبحت العدا
خبرا من الماضي و طيف رقاد

لا تسكب الأوغاد إلاّ وثبة
ناريّة غضبى على الأوغاد

و من القتال دناءة وحشيّة
حمقى و منه عقيدة و مباديء

***

خاض الرّسول إلى العلا هول الدجا
و لظى الهجير اللّافح الوقّاد

واقتاد قافلة الفتوح إلى الفدى
و المكرمات دليلها و الحادي

و هفا إلى شرف الجهاد و حوله
قوم تفور صبابة استشهاد

قوم إذا صرخ العراك توثّبوا
نحو الوغى في أهبة استعداد

و تماسكوا جنبا وارتموا
كالموج في الإغراء و الإزباد

و تدافعوا مثل السيول تصبّها
قمم الجبال إلى بطون الوادي

و إذا تساجلت السيوف رأيتهم
خرسا و ألسنة السيوف تنادي

هم في السلام ملائك ولدى الوغى
جنّ تطير على ظهور جياد

و هم الألى الشمّ الذين تفتّحت
لجيوشهم أبواب كلّ بلاد

الناشرون النور و التوحيد في
دنيا الضلال و عالم الإلحاد

الطائرون على السيوف إلى العلا
و الهابطون على القنا الميّاد

***

بعث الرسول من التفرّق وحدة
و من العدا القاسي أرقّ وداد

فتعاقدت قوم الحروب على الصّفا
و توحّدت في غاية و مراد

و تحرّكت فيها الأخوة مثلما
تتحرّك الأرواح في الأجساد

و محا ختام المرسلين عن الورى
صلف الطّغاة و شرعة الأنكاد

فهناك تيجان تخرّ و هاهنا
بين السكون مصارع استبداد

و هناك آلهة تئنّ و تنطوي
في خزيها و تلوذ بالعبّاد

و المرسل الأسمى يوزع جهده
في الحقّ بين هداية و جهاد

حتّى بنى للحقّ أرفع ملّة
ترعى حقوق الجمع و الأفراد

و شريعة يمضي بها جيل إلى
جيل و آزال إلى آباد

***

يا خير من شرع الحقوق و خير من
آوى اليتيم بأشفق الإسعاد

يا من أتى بالسلم و الحسنى و من
حقن الدّما في العالم الجلّاد

أهدي إليك و منك فكرة شاعر
درس الرجال فهام بالأمجاد