ذكريات شيخين - عبدالله البردوني

كان يا (عمرو) هنا بيت المرّح
زنبقيّ الوعد ، صيفي المنح

الطيوف الحمر ، والخضر على
مقلتيه ، كنعاقيد البلح

أشمست فيه الليالى .. والمدى
يثريات دواليه اتّثح

كان مضيافا ، إذا ما جئته
شعّ كالفجر ، وكالورد نفح

فانمحى : يا للتلاقي بعدما
نزح الروّاد عنه ونزح!

***

يا ترى ، من أين نمشي ؟ ها هنا
قام حي ، وهنا أرسى مصع

وعهدنا منزلا قزما هنا
من ترى عملقة ، حتى طمح ؟

واستراحت ها هنا مقبرة
قرب العمران منها فاكتسح

ووراء السور ، أرسى مصنع
وهناك ، امتد سوق وانفسح

أين نحن الآن ؟ وارى عهدنا
وجههه ، وانطفأت فيه الملّح

أنكر (النهرين) وجهينا من
قبله ، أنكرنا (باب السّبح)

من يقوّينا ، وكنا زمنا
كبغال (الروم) أوخيل (جمع)

***

ها هنا نجلس ، يا (عمرو) ترى
ما اقتنى التأريخ منا واطّرح ؟

خط آثار خطانا ، زمن
بيديه وبرجليه ، مسح

فانحنى (عمرو) وقال : اذكر لنا
يا (علي) الأمس واترك ما اجترح

أمسنا ، كان كريما معدما
وزمان اليوم ، أغنى وأشح

كيف كنّا ننطوي ، خلف اللّحى
ونواري من هوانا ، ما افتضح

يوم أعلنت (روضة) برقعها
واستجدنا ما اختفى مما اتضح

أطمتنا .. وألحّت في النوى
عن يدينا ، وتشهّينا ألح

فترددنا على جار لها
نشتري التبغ ، ونطري ما امتدح

وأطلّت ذات صبح مثلما
يرتدي صحو الربى (قوس قزح)

فارتعشنا ، وانجلت دهشتنا
ثم أومأنا اليها ، بالسّبح

فاقتفتنا ، وتركمنا للهوى
كل أمر ، وأطعنا ما اقترح

ومضى عامان ، لا ندري متى
جدّ حادي العمر ، أو أين مزح؟

كيف كنا ، قبل عشرين نعي
همسة الطيّف ، وإيماء الشبح

ونغني كالسكارى ، قبل ان
يعد العنقود اشواق القدح

ثم اصبحنا نشازا ، صوتنا
في ضجيج اليوم ،كالهمس الأبح

كلّ شيء صار ذا وجهين ، لا
شيء يدري ، أين وجهه أصح ؟

***

يا (علّي) : انظر ، ألاح المنتهى
لا انتهى المسعى ، ولا الساعي نجح !

لم تعد نهنأ ، ولا نأسى ، ذوت
خضرة الانس ، خبت نار الترح

أو خبا الحسّ الذي كنّا به
نطعم الحزن ، ونشتمّ المرح

لم يعد شيء كما نألفه
فعلام الحزن أو فيا الفرح؟!

*

دخلت (صنعاء) بابا ثانيا
ليتها تدري ، إلى اين أفتتح