عازف الصمت - عبدالله البردوني

أطلّت هنا و هناك الوقوف
تلبّي طيوفا و تدعو طيوف

و في كلّ جارحة منك … فكر
مضيء و قلب شجي شغوف

تغنّي هنا و تناجي هناك
و تغزل في شفتيك الحروف

و تهمس حتّى تعير الصخور
فما شاديا و فؤادا عطوف

و تعطي السهول ذهول النبيّ
و تعطي الربى حيرة الفيلسوف

تلحّن حتّى تراب القبور
و تعزف حتّى فراغ الكهوف

و تفنى وجودا عتيقا حقيرا
و تبني وجودا سخيّا رؤوف

و تغرس في مقلتيك الرؤى
كروما تمدّ إليك القطوف

و ترنو ؛ و ترنو و عيناك شوق
هتوف يناجيه شوق هتوف

و أنت حنين ينادي حنينا
و ألف سؤال يلبّي ألوف

و دنياك عشّ يغنّي ثراه
فتخضرّ أصداؤه في السقوف

***

و حين تفيق و تفنى رؤاك
و ينأى الخيال المريد العزوف

ترى ها هنا و تلاقي هناك
صفوفا من الوحل تتلو صفوف

عليها أراق النفاق
ملامحها ؛ و أضاع الأنوف

و قتلى دعوها ضحايا الظروف
و كانوا الضحايا و كانوا الظروف

أكانوا ملاهي صروف ؟
و أولى و أخرى ملاهي الصروف

و تشتمّ فوق احمرار التراب
صدى غائما من أغاني السيوف

و تلمح فوق امتداد الدروب
سياط الخطايا تسوق الزحوف

و مقبرة يظمأ الميّتون
عليها و يحسّون وعدا خلوف

و مجتمعنا حشريّا خلوف
على غير شيء حنين الألوف

و يعد على دمه كالذئاب
و يلقى الذئاب لقاء الحروف

***

فماذا هنا من صنوف السقوط ؟
أحطّ الصنوف و أخرى الصنوف

هنا الأرض مستنقع من ذباب
هنا الجوّ أرجوحة من كسوف

يطيّل للخائنين الطريق
كأنّ حصاه استحالت دفوف