مرثية العرب في رحيل الحريري - عبدالواسع السقاف

(عندما يصبح الفرد وطناً.. يصبح اغتياله اغتيال شعب.. ويصبح الوطن منتهكاً)

العُمر يذهب، والأيام تغدُر بي
وشيب شَعْري نذير المُوت والعَطب

لكن لفظيَ شابٌ لا فَناء له
تفنى الحياةُ، ويبقى منطقي الأدبي

في أمةٍ مات فيها حِسُها فمضت
في مسلك الذُّل لا تقوى على الغَضب

تناست الخيل والبيداء، ماضيَها
والسيف والرمح مدفونان في الكتب

الفِعل فيها عجوزٌ، والكلامُ فتىً
ونَخوة الأمس في أحضان مُغتصبِ

أواّه يا وطني .. ما كنت أحسبني
-في غربة الروح- أرضى أن أراك سبي

أو أنَّ شِعري يرثي أمةً عرفت
خير الرِّسالات في الدنيا، وخير نبي

"ماذا أُحدثُ يا (آلاءُ) " عن وطَنٍ
ربيت فيه عزيزاً ، عِزتي نسبي

قرأت عنه صغيراً أنه وطنٌ
للماجدين على الأيام والحِقبِ

للزّير ، للجَرو، للنُعمان مُنتصراً
لخَالدٍٍ، لصلاح الدين، للعَربِ

للرافعين رُؤوساً للسَماك، ومن
لا يشربون سوى صَفواٍ من السُحب

وكيف أصبح هذا الهيلمان سُدىً
وأصبحت أُمتي في أسفل الذَّنب

الجِدُ فيها تولى هَازلاً، وبَدت
كالطفل يلعب مجبُوراً على اللّعب

ماذا أُحدث والأصفَاد فوق فمي
وغُصة القهر من حلقي إلى شَنَبي

أُواّه يا وطني.. كيف استعَضتَ لنا
عن الحقيقة أمجاداً من الكذِب

حتى إذا ما أَمِنَا، جاءنا قَدرٌ
يجتثُ قامتنا في ذُروة العَجبِ

ولىّ رفيقُ ، فيا ويح الزمان إذا
ولى الكِرامُ عن الدنيا بلا سبب

وأصبح الكون من آياته زمنٌ
فيه الأراذلُ تبقى، عصرُها ذهبي!

أبا المُروءة لا تمضي، فَداكَ أخٌ
قد كُنت منه مكان العَين للهُدبِ

إن غِبت عنه فلا كَون يُحيط به
كأنما دُكّت الأفلاك بالشُّهب!

لم الرحيل! أما ترضى محبّتنا
محبة الناس من غربٍ ومن عربِ

من للطُفولة إنْ لم تَرعَها أبداً
من لليتيم إذا ما صاح: أين أبي؟

رفيقُ ولى، (عَطاءً) خابَ واصفهُ
بَحرٌ من الجُود والإيثار والأدب

من ذا سيَخلُفُ يا لُبنان مَنْزلَه
أباً يحن على الأطياف في النّقبِ

من عمَّر الأرض من بعد الخراب، ومن
قد أتقن الموت إتقان الحياة صبي

زعيمُ أُمتِنا .. بَناءُ وحدتنا
لما ترجّل بلّت دمعتي كُتبي

فُجِعتُ فيه كأني قد فَقَدت به
أهلي ورَبعي وما أرضاه من نسبي