ما هو الكون ؟ - علي أحمد باكثير

خلق الله للجمال قلوباً
اجتباها من صفوة الشعراءِ

سكب النور في قلوبهم السو
دِ فعادت تموج بالأضواءِ

واستحالت مرائياً يعكس الكو
نُ عليها ما عنده من مراءِ

واقفاً ناظراً محياه فيها
في غرورٍ كوقفة الحسناءِ

*****
*****

ما هو الكون غير ذاك الضعيف الـ
ـحول يسطو به على الأقوياءِ؟

ما هو الكون غير ذاك الي يشـ
ـفى به الداء وهو عين الداءِ ؟

غير ذاك الذي عليه تلاقى
ضربات السراء والضراءِ

غير ذاك الذي به تعثر الدنـ
ـيا على مرطها من الخيلاءِ

غير ذاك الذي به الحب والبغـ
ـضاءُ بين الأحباب والأعداءِ

غير ذاك الذي به امتحن اللـ
ـه قلوب العصاةِ والأتقياءِ

غير ذاك الذي به يلوذ النسـ
ـلُ ويغرَى الآباءُ بالأبناءِ

غير ذاك الذي به يصير الكو
نُ نسيماً على بساطِ اللقاءِ

غير ذاك الذي تجمع فيه
ما وعى حسنه من الأسماءِ

غير ذاك الذي إليه و منه
كل ما في الوجود من أشياءِ

ما هو الكون غير فتنة حوا
ءَ وما في حواءَ من إغراءِ ؟

ليت شعري أكان للكون معنى
لو أتى آدمٌ بلا حواءِ ؟

*****
*****

*****
*****

عظمت دولة الجمال وعزت
وتعالى ما فيه من أسماءِ

بعض أسمائه يضيع به الدهـ
ـرُ فناء وما له من فناءِ

نفذت من أعماقه حكمة البا
ري وضاعت وساوس الحكماءِ

والسعيد السعيد من شم منه
أرجاً من حديقةٍ غناءِ

والسعيد السعيد من شهد اللـ
ـه على لوحِ نوره الوضاءِ

*****
*****

رب غاوٍ يلومني في نشيدي
وهو لا ينتهي عن الفحشاءِ

خاشع الطرف مطرق الرأسِ يمشي
بين خلين سمعةٍ ورياءِ

يظهر الفكر وهو في السر يغشى
ما تندى له جبينُ الحياءِ

وأنا الطاهر السراويل والبُر
دِ نقيُّ القميصِ عفُّ الرداءِ

ليس منى الفسوقُ تأباه في جسـ
ـمي دماءُ الأجدادِ والآباءِ

ينهل الحسن من غرامي ولكن
هو صديانُ يلتظي من إبائي

كل حبي طهرٌ وقدسٌ وتسبيـ
ـحٌ لربي وصيغةٌ من دعاءِ

أنا عبد الجمال حررتُ في معـ
ـبدهِ مهجتي بلا استثناءِ

مهرقاً في محرابه ذوب قلبي
ما تراه مضرجاً من دمائي؟

أعبد اللهَ فيه: أقرأُ فيه
آية الاقتدارِ والإنشاءِ

إن يكن في الحدود جسمي فروحي
تتهادى في العالم اللانهائي