ما فاضَ عنهم - محمود قحطان

(1)
هل تَسمعينَ عويلَ أحزاني؟
هل تعرفينَ الصَّمتَ إنْ كبُرتْ بواخِرُهُ
على ظهرِ الجليدِ السَّاكنِ العَاتي؟
هل تُدركينَ مُصيبَتي..
حينَ انبعاثِ الموتِ إنسانا...؟!
(2)
ذهبَ الذين أُحبُّهم!..
من بعدِهم، وأنا أمارسُ لعبةَ الصَّبرِ المعتَّقِ بالمدادْ
فلنصفُ إحساسي صهيلْ
والنِّصفُ خيباتٌ... دوارٌ مستحيلْ
ولقد تلوحُ بشاشةٌ وسْطَ الرُّكامْ
لكنَّ ليلي موحشٌ
فوقَ السَّريرِ غمامةٌ
بالأسفلِ الآنَ احتضارْ
الليلُ يُورقُ بالبُكاءْ!
(3)
هل تَلمَسين الجُوعَ في أحزاني؟
سقفي أنا..
قد يمتطي، كلَّ الزوايا المشرئبةِ بالدخانْ
قد يمتطي، كلَّ الدموعِ السَّاقطاتِ النَّاحراتِ فجيعتي
قد تأخذُ الأغلالُ بُعدًا ثامنًا
قد تحبلُ الأحزانُ بالأحزانِ والأحزانُ رَحمٌ أجوفٌ!
(4)
هل تجلِدينَ الخوفَ في أحزاني؟
ها قد أتاني الموتُ لعنةُ هفوةٍ
حشريةً قد بثَّها في كلِّ جينٍ باغتصابٍ مؤلمٍ..!
في الجلدِ في الرِّئَتينِ فيما بينَ أهدابي وبالشَّبقِ الموشَّى باشتهاءِ الشَّنقْ!
وزجاجتي شفافةٌ.. شفتايَ طيفٌ أجدبُ
إنِّي فتاتْ..!
(5)
هل تُبصرينَ نخيلَ أحزاني؟
فالنَّخلُ يعلُو.. ثم يعلُو.. ثم يعلُو شاكيًا
موتَ السَّماءْ
وفجيعتي عُرسٌ يظلِّلُ صرخَتي
فأمدُّ نحوَ مجاهلي، حبلَ السُّؤالْ
أفهلَ تُرى؟ هل لا يزالْ؟
ماذا تبقَّى غيرُ شمسٍ مُطفأةْ
أم أنَّني ما زلتُ أُبعثُ في الظَّلامْ؟!
(6)
ذهبَ الذين أُحبُّهم!..
وبقيتُ ألتهمُ الأسى
ويقضُّ مضجعيَ الحنينْ
أَوَكلَّما..
أرخيتُ جفنيَ حالِمًا
فإذا بصُبحي قد تبدَّى مُعلنًا هجرَ الصِّحابْ.؟!
(7)
ذهبَ الذين أُحبُّهم!..
وإذا فؤادي يَنْزَوِي في رُكْنِ صَدْرِي خائفًا
وإذا صِحابي..
أرتجيهم مثل أَيْكٍ يرتَجي
شدوَ الطيورِ بغُصنهِ
لا الطيرُ أغرتهُ غُصوني
بعدما عصفَ الخريفُ بكلِّ أوراقِ الغصونْ!
(8)
ذهبَ الذين أُحبُّهم!..
وظللتُ وحدي هائِمًا
في الَّليلِ كالملكِ الضَليلْ
تنبو الحماسةُ من قصيدي كلَّما أرِقتْ جراحي سلسبيلْ
وإذا الحماسةُ غادَرتني باكرًا
ألفيتُ كفِّي كالنَّدى
أُسْقي النَّدامَى الشِّعْرَ خمرًا قرطبيا
فأصيرُ للأضيافِ عبدا!
(9)
ذهبَ الذين أُحبُّهم!..
ووقفتُ أهجوهم هجاءً مُقذِعًا
يا أنتَ، لا سَلمتْ يداكَ إذا اتَّكأتَ على القصيدةِ غاضبًا
وطفقتَ تهجو من تُحِبْ
ولطالمَا.. أَرِقَتْ عيونَكَ كي تُعدَّ قصيدةً عصماءَ فيهمْ
يا أنتَ، لا سلمتْ يداكَ
إذا نثرتَ لحونَ أوزانِ الخليلِ.. بعثتَ أشعارَ الفرزدقِ هاجيًا
فلطالمَا.. هم ألهموكَ قصائدَ الأتراحِ والأفراحِ دومًا
هم ألهموكَ الحبَّ والشوقَ العنيدْ
يا شاعري.. يكفي فَنَمْ!
وإذا صحوتَ فسوفَ تُدركُ أنَّهم لم يُنصفوكَ
وحينها ثِقْ.. لن يعودَ لشوقِكَ المسْكوبَ بُدْ!
(10)
هل تُدركينَ الموتَ في أحزاني؟
وعبرتُ كلَّ أزقَّةِ الأحياءِ بحثًا عن سبيلْ
وجلستُ أطوي الحزنَ أشرعةً مديدةْ
والمطلقُ الممتدُّ بين جوانحي
يرتادُ كلَّ شواطئ البجعاتِ مراتٍ عديدةْ
ويسائِلُ الأترابَ يلهو عابثًا
ما بالُ وجهي قد تعفَّر بالحنينْ؟!
يقتادُني نحو السآمة ذاهلاً
فمدينتي –عجبًا- تضيقُ كبؤْبؤٍ موشومْ
وأزيزُ صدري يستثيرُ تكوُّري
لأعودَ من حيثُ المجيء مُكوَّرًا
علقًا.. وطاغيةَ الجنينْ!