ديكُ الجنِّ الصنعَاني - محمود قحطان

.... وعلى السَّواقيَ أنْ تظلَّ–الآنَ-
باقيةً على بوحِ انتحاري
وعلى الأعنَّةِ فوقَ أرصفةِ السَّماءِ
بأنْ تُقيمَ الحدَّ جُرمًا خافيًا
لتلاعنَ الليلَ المُتيَّمَ بينَ كوكبةِ الأماني
وعليكِ أنْ تبقيْ..
رديفة مُقلتي
وموَاجِعي ..
وزَوابِعي ..
وبأنْ تَصيحي حين يزدادُ انفعالي!
****
إنِّي قتلتُكِ في دمي
وطعنتُ فيكِ مودَّتي
ودفنتُ كلَّ الوشمِ حينَ شُرُودهِ
ذاكَ الذي
صوَّرتِهِ.. لمَّعتهِ.. نمَّقتِهِ
لكنَّني،
أخرجتُ من جسدِ الفضيلةِ خِنجَري!
****
إنِّي لسانٌ من دمٍ!
يا بؤرةَ الشَّجنِ الموشَّى بالتواشيحِ العقيمةِ
والنَّدى المستوطنَ الأقلامِ حينَ تكونُ نزفًا ثامنًا
أفهلْ يكونُ الوجدُ جُرحًا جامدًا؟
أفهلْ يصيرُ الحزنُ شكلاً دائرًا؟
أفهلْ يعودُ الحبُّ خُلقًا بائسًا؟
أم أنَّني أجري ونصفي عاريٌّ
ونشيدُهُ..
أسرابُ ضوءٍ في مزاميرِ الشفاةْ؟!
****
ما عادَ ليْ غيرُ التَّبضُّع والتَّمتُّعِ بينَ سوقِ الأمنياتْ
ما عادَ ليْ غيرُ التوسُّعِ والتقلُّصِ والتطاولِ والتقاصرِ
بينَ أروقةِ الفضاءْ
إنْ كلُّ شيءٍ خائِفٌ
سيكون أصلاً للفناءْ
إنْ كلُّ شيءٍ خافتٌ
سيرتِّلُ الآنَ المواقيتَ المعدَّةَ لاستطالاتِ الفراغِ العاطفي
إلاَّ الجَفاءْ...
ما عادَ حبُّكِ سوسنًا أستبقهِ
ما عادَ نبضُكِ غيرَ سَوطٍ للعذابْ
ما عادَ نهدُكِ غيرَ منفى..
أدفنُ الأشواقَ عُمقًا في أزِقَّةِ الاغترابْ!
أنا عالقٌ من سُرَّتي، مُتأرجحٌ،
مُتقولبٌ،
مُتحوصلٌ
منْ طَلْعِِ آنَ ذبولُها.. ونحيبُها سِرُّ الضباب
أفهلْ أعودُ منَ الغيابْ..!؟
****
قد كنتُ أمرحُ مثلَ نارٍ تأكلُ
قد كنتُ أوسعُ من سماءٍ بالرَّغائبِ تهطلُ
فحميتِني..
أدخلتِني.. كلَّ البساتينَ التي فضَّلتُها
أغريتِ كلَّ صحاريَ النَّفسِ الملولةِ بالعيونِ الخضرِ
حينَ سكونِها
ورسَمتِ لي..
كونًا جديدًا لا يلامِسُهُ ذُبابُ الموتِ
إنْ نبشتْ بأحضانِ الرذيلةِ قاعَها
وروائحًا..
من سحرِ أقمارٍ نبيَّةَ تعتلي
خيطَ الدخانِ الحلوِ
يسبحُ في الفضاءِ
يطوفُ في كلِّ الفراغِ ليمحوَ الذِّكرى
يوسوسُ معطياتٍ سابقةْ
تعلُو وتعلُو ضاجَّةً..
لعناقِها!
****
كيف اصْطَبَرْتُ عليكِ حين خدعتِني
وخطاكِ تجري داخلي
تعوي بجوفِ النَّبضِ تعدو غيمةً سوداءَ
تهمي.. في عناقٍ للهوى المتلوِّثِ!
كيف استطعتِ الآنَ أن تتمرَّدي
أن تُغدقي وردَ المرايا في النُّفوسِ العاطشاتِ إلى الهوى
أن تزرعي.. أعشابَ نهدِكِ في الكؤوسِ الظَّامئاتِ
بكلِّ ثغرٍ لاهثِ؟
كيف اقتنعتُ بكلِّ دورٍ في الهوى مثَّلتهِ
ورميتُ كلَّ نصائحِ الحسَّادِ خلفَ مدامعِ الأشواقِ أرفضُ ذكرَها
وبقيتُ أغفو تحتَ جَفنِ العينِ كالنَّاقوسِ أحرسُ عُريَها
قدْ ضاعَ عمري.. في ملاحقةِ الأماني الكاذباتِ
وضعتُ في حِصْنِ المَخَادِعِ نجمةً حمراءَ أو صفراءَ تنشُبُ مثلَ فِطْرٍ
في الفضيحةِ والفجيعةِ يبتكرْ.. شكلاً جديدًا لامرأة!
إنِّي ضحيةُ كلُّ نهدٍ عابثِ!
****
سكِّينتي.. يَبِسَتْ،
وضاعتْ خُطوتي..
فركُامها غطَّى على كلِّ الزِّحامْ
قدْ جاعَ دربيَ للخلاصْ،
هل ليْ ببعضِ الكأسِ أخفُقُ جثَّتي
وأعيدُ تنميقَ الهُراءْ!
****
قدْ عرَّجت،كلُّ الأظافرِ والأصابعِ
في خلايا جسمِكِ الهوجاءِ تنضحُ بالعمى
لتمورَ في تابوتِ لحمِكِ صرخةً
وتأقلمتْ.. كجنازةٍ، وتوسَّدَتْ شهقَ المَواتْ
هل ليْ بثوبٍ أسودٍ
أو شالُ يسترُ عورتي
إنِّي أنا.. لمْ أستطعْ غسلَ الدماءْ
لمْ أستطعْ.. تشييدَ نجمٍٍ في الفضاءْ
وجريمةٍ.. دبَّرتُها.. ورسمتُها
رُعباً يُحملقُ في العيونِ المطفآتْ..!
****
ما الدَّمعُ دمعُ فريستي
صوتي أنا مبحوحُ خافِتُ يرتَجي.. لُغةَ الشِّواءْ
وبزوغُ أيَّامي أفَلْ
ما عادَ ليلُكِ ليْ بقاءْ
أين الخلاصُ
فمنكِ كيفَ يكونُ ليْ بعضُ الخلاصْ؟
وأساورُ الساعاتِ تقضمُ مِعصمي!
عينايَ تحرثُ في المواجعِ مُقلتي!
والعطرُ يجهشُ بالدِّماء!
****
.... وإشارةُ الرِّيحِ استوتْ
لنبوءةِ الصَّمتِ الموشَّى بالسُّكوتِ
لتكشفَ الأمسَ الشريدَ
وتُشعلَ البوحَ الفريدَ
لتستثيرَ الرَّاقصينَ على حدودِ هياجِها
لكنَّما..
إنْ جاءكَ الشوقُ المسافرُ نحو أُنثى في المدَى
لا يُكتفى، أنْ تنتَظرْ..
ومُتمتمًا
لأغانيَ العشبِ بغرسَةٍ حمراءَ من ثوبِ الضَّجرْ
فلكلِّ روحٍ طيِّبة..
تفاحةٌ أخرى.. تُكرِّرُ ذنبَها؟!