فراقيّة للروحِ والغربة - طالب همّاش

متألماً في الغاب،‏
أرفعُ كالذئابِ ندائيَ المجروحَ‏
لا الأفقُ الملبّدُ بالغيومِ‏
يحدُّ من ندمي،‏
ولا رَجْعُ الطواحين الحزينْ‏
لكأنما هذي الحياةُ خليلةٌ للموتِ،‏
بنتُ دموعنا في الليلِ...‏
فلاّحونَ نحرثها‏
وتحرثنا السنينْ.‏
وحدي أجاهرُ في جهات الحزنِ‏
بالخسرانِ،‏
أرفعُ راحتيْ في وجهِ هذا الصبرِ:‏
"لا جدوى"‏
وأرثي في خلاءِ الروحِ غرباني‏
ورهطَ النائحينْ.‏
أأنا الندامةُ أم سوادٌ حالكٌ،‏
أم شهوةٌ مجهولة الرعشاتِ‏
تلمعُ كالسكاكينِ الجريحةِ‏
في فضاءِ الجنسِ‏
أم طعمُ الفراقِ المرِّ‏
في شفة الحنينْ؟‏
أأنا طليقٌ أم سجين؟‏
أأنا صراخُ الروحِ في المطلقْ؟‏
أم رَجْعُهَا الخاوي على طللِ الحُدا الأعتق؟‏
أم عزلةٌ مضروبة في الليلِ‏
تلفظها العقاربُ‏
والأسابيعُ الطويلةُ‏
والشهورْ.‏
ربَّاهُ كيف تُطيقني روحي‏
وتلفظني القبورْ؟‏
* * *‏
متألّماً في الغابِ‏
أشهدُ في الغيابِ أمومةَ‏
الأحزانِ‏
تركضُ في ظلالِ الوحشة الصمّاءِ‏
نادبةً كآباتِ الغروبْ.‏
لو أنَّ هذي الأرض من شجنٍ‏
جعلتُ نواحها يُصدي‏
على كلّ الدروبْ.‏
وتركتُ قبري ضائعاً في الريحِ‏
يندبهُ العراءُ،‏
وتلبسُ الأكفانَ من حزنٍ عليهِ‏
الأمهاتُ الباكياتُ على الجنوبْ.‏
لكأنَّ أيامي رحيلُ الغيم‏
خلفَ الغيمِ‏
لا نجمٌ ليرضعني حليبَ الحزنِ‏
في الأغساقِ..‏
لا قمرٌ يضيءُ بليلتي الثكلى‏
ويحملني على جنحِ الطيوبْ.‏
أبداً يحلّقُ طائرٌ‏
بيني وبين الموت،‏
والأمطارُ تسقطُ كالبكاءِ‏
على بساطِ الدمعِ‏
دمعٌ أسودٌ ينسابُ من شرياني‏
المقطوعِ‏
فوقَ الصخرِ معتكراً..‏
وقلبٌ خافقٌ باليأسِ‏
يسكنني،‏
وتملؤني الذنوبْ!‏
مازلتُ أركضُ خلفَ أسرابِ الحمامِ‏
من الشروقِ إلى المغيبِ‏
مُلوِّحاً بقميصِ إيماني‏
فلا أصطادُ إلا الوهمَ‏
والقمر الكذوبْ.‏
لا الليلُ تسقطهُ مواويلي‏
ولا نوحيْ يردُّ جدارَهُ المضروبَ‏
حولَ الروحِ‏
كالأبدِ المحجَّر‏
والصخورْ.‏
ربّاهُ كيف تطيقني روحيْ،‏
وتلفظني القبورْ؟