مساءات العنب - طالب همّاش

يا للهنيهاتِ الرخيَّةِ‏
واشتعالِ اللوز في الشبّاكِ‏
قد كبرَ النسيمُ‏
وحقَّ للقمحِ الحفيفُ.‏
فاغرقْ بحزنكَ يا خريفُ!‏
إنَّا عرفنا الصبحَ من قدحِ الشرابِ‏
وصفَّقَ العصفورُ من سكرٍ‏
عصرناهُ..‏
وراحَ الصحوُ من وَلَهٍ يطوفُ.‏
يا للصبيَّةِ وردةٌ بيضاءُ‏
شقَّ قميصها الدوريُّ‏
فانهتكَ البياضُ،‏
وراحَ يلثغُ من تويجتها النزيفُ‏
يا صدرها كرَّاسةُ الليمونِ‏
ترقشها الحروفُ‏
فكأنَّ بنتَ الصبحِ أغنيةٌ‏
سمعناها ونحن نُقلِّمُ الأزهارَ‏
لم نُنصتْ لها‏
لكن طغى نغمٌ على أسماعنا..‏
نغمٌ طفيفُ.‏
فاغرقْ بحزنكَ يا خريفُ!‏
* * *‏
إنَّا تركنا البلبلَ الظمآنَ‏
قربَ النبعِ‏
واخترنا الكنارْ.‏
ثم انتقينا من صبايا العرسِ أصغرهنَّ‏
كي يشدو الكنارْ.‏
صُغنا خواتمَ للخطوبةِ‏
ثم صُغنا من جدائلهنَ عشاقاً‏
وصغنا من أساورهنَّ أقمارَ‏
الحصائدِ كي نغارْ.‏
فلنا الأغاني والمغاني‏
والثرياتِ الشفيفةَ..‏
والحمائمُ شاردات في رحابِ الفجرِ‏
والذكرى لنا‏
ولنا من القمحِ الرغيفُ.‏
فاغرقْ بحزنكَ يا خريفُ!‏
* * *‏
سيَّانَ هذا الحزنُ‏
إن كانَ الغناءَ أو التعبْ.‏
فلنا الخمور كؤوسها وجرارها‏
ولنا ليالي الأنسِ..‏
والقمر المذهَّب في مساءاتِ العنبْ.‏
تلكَ الصبايا في طريقِ الكرمِ‏
يملأنَ السلالَ‏
"بنفسجاً وسفرجلاً" غضاً‏
ويجمعنَ الدموعَ منَ القصبْ.‏
فالليلُ ليَّلَ بالأغاني والطربْ.‏
والراقصاتُ البيضُ‏
يرقصنَ الهوينى عندما نغفو‏
فلاْ يُسمعْ لهنَّ حفيفُ‏
فاغرقْ بحزنكَ يا خريفُ!‏
* * * ‏
كلُّ المواويلِ التي بُحْنَا بها‏
لليلِ‏
وسَّعتِ الفضاءْ.‏
كم قد حفرنا بالدموعِ حروفها؛‏
لنكونَ أولى بالربابةِ‏
والغناءْ.‏
والنايُ كم رُحْنَا نغازلُ‏
روحَهُ التعبى‏
فأشجانا بكاءْ.‏
ثمَّ اعتذرنا للربابةِ،‏
واعتذرنا من ثقوب النايِ‏
والخمرِ العتيقِ‏
فراحَ يقطرُ من أناملنا الشفيفُ.‏
فاغرقْ لنغرقَ يا خريفُ!‏