ندم الحياة المر - طالب همّاش

بردانةٌ حمصُ التي نامتْ‏
بلا شعراءَ!!!‏
تبكي شَتْلَةُ القمحِ الصغيرةُ‏
في جديلتها،‏
ويسقط طائرُ الأحزانِ ميتاً‏
قربَ زهرتَها اليتيمةِ‏
والأغاني ذابلهْ!‏
بردانةٌ..‏
والليلُ ذئبٌ جارحٌ في الريحِ‏
يعوي في أعالي التلّ!‏
والأمطارُ توأمُهَا الجريحُ‏
على جذوعِ النخلِ‏
والصورُ القديمةُ آفلهْ!‏
بردانةٌ حمصُ اليتيمةُ بالبكاءِ‏
وقلبُهَا أرجوحةٌ لليلِ‏
مرّ العاشقونَ ولم يَرَوْهَا‏
عند نَبْعِ الصيفِ جالسةً‏
تسرّحُ شعَرْها قبلَ الغيابِ..‏
ولم يَرَوا ذاك الهلالَ الطفلَ‏
في الأهدابِ‏
كي يتأمّلوهُ مشرّقاً‏
مثلَ النبيِّ إلى الصلاةْ!‏
لم يَسْمَعَوا‏
طيرُ الحفيفِ الغضِّ‏
يحرثُ في براري النهدِ‏
بستاناً من الريحانِ..‏
والرمانَ‏
قبلَ سقوطهِ فوقَ الخريفِ‏
ليقطفوهُ‏
وما رأوا في روحها‏
تلكَ السحابةَ‏
وهي تشردُ كالغزالةِ في الفلاةٌ‏
حمصُ التي كانتْ على شَجَرِ الغروبِ‏
حمامةَ العشاقِ‏
تشرعُ في المدى عينينِ متعبتينِ‏
لا قمرٌ ليؤنسَ حزنها‏
في الليلِ‏
لا نجمٌ يمزقُ ظلمةَ البستانِ!‏
أينَ الآنَ ديكُ الجنّ؟‏
نسرُ العاشقينَ على‏
تلالِ الأرزِ‏
- أغمدَ سيفَهُ المثلوم‏
في غمد الِبكاءْ!‏
يا طائرَ السهرِ البعيدِ!‏
بلغتُ هذا الحزنَ‏
لكن أينَ ديكُ الجنِّ‏
-بليلُ روحها المجروحُ!‏
:يحفرُ في عراءِ الأرضِ‏
حفرتَهُ الأخيرةَ‏
ضارباً للموتِ ناقوسَ الحداءْ!‏
تلقيهُ أجراسٌ من الندمِ الحزينِ‏
على ضريح حِدادهِ النائي،‏
ويطعنُ حزنه بالدمع صبّارُ الشتاءْ!!‏
/لا وردُ/ آتية من الينبوع،‏
حاملة إليه الماءَ‏
كيما يرقص المزمارُ‏
في أضلاعهِ التعبى‏
وتقفزَ كالربابةِ روحُهُ‏
فوق الأغاني..‏
لا امرأةْ‏
ليرشَّ زرقةَ صدرِها بالزهرِ والريحانِ،‏
يتركَ قلبَها للغيم..‏
لا امرأةٌ سوى ندمِ الكتابهْ!‏
ندمِ السكينةِ حين تلمسُهَا الكآبهْ! وردُ الصدى،‏
ندمُ الحياةِ المرُّ،‏
رجعُ خريرها في الروحِ‏
.. طعنةُ خنجرٍ في خصرها البدويّ‏
وردُ الهدهدُ الأبديّ‏
في أحلامنا البيضاءِ،‏
سنبلة الدموعِ على شبابيكِ النساءْ!!‏
وردُ السحاباتُ التي مرَّتْ‏
بلا مَطَرٍ على أعمارنا في الصيفِ‏
وردُ الصورةُ الثكلى لحمصَ الأرملهْ!!‏
والنايُ قبل بكائهِ الموصولِ‏
في العاصي،‏
وأشجارُ الحدادِ المُسْبَلَهْ!‏
والرغبةُ العمياءُ‏
تحفرُ في جراحِ الروحِ مجراها!،‏
ومزمارٌ على النسيانِ..‏
موالٌ لبدوٍ راحلينَ‏
إلى صحاري الليلِ‏
وردُ الدمعةُ الصمَّاءُ تحتَ الهدبِ.‏
تصويتُ المزاميرِ التي تبكي‏
على قمرِ الغيابْ!!‏
كم أغنيهْ؟‏
ستعيدُ روحي كي تراها،‏
كم غرابْ؟‏
سيرافقُ الأحزانَ نحو ضريحها!‏
وردُ الصدى الباكي على جيتارةٍ‏
خَلُصَتْ،‏
وسطرٌ من تراتيل السرابْ.‏
شجرٌ يصفّقُ في عراءِ الريحِ،‏
والقمحُ الذي ينمو على هدبِ الأناجيلِ،‏
المراثي حين يكبرُ عاشقٌ‏
ليحبَّ عذراءَ الضبابْ‏
هل حمصُ (وردٌ) ثانيهْ؟‏
ولِدَتْ من العاصي‏
لتعصمنا من النسيانِ..‏
أم أيّوبةٌ ربطتْ جديلتها على شجرِ الخريفْ؟!‏
هل حمصِ أمٌّ ثاكلهْ؟‏
فَقَدْتْ حمامتها على دربِ الحفيفْ‏
أم شَجْرَةٌ لقبور منسيينَ‏
يرعاها حمامُ الموتِ!‏
والأشباحُ تهدلُ في أعاليها،‏
ويحرسُ حزنَها قمرٌ كفيفْ!‏
أم قريةٌ؟‏
يرتادها العشّاقُ في أيلولَ‏
كي يتأمّلوا معنى الحياة!‏
وينحتوا فيها تماثيلَ الفراقِ‏
التائبهْ!‏
أم حانةٌ مهجورة عندَ المغيبِ‏
تشيخُ خلفَ سياجها ناعورة الأيامِ‏
موجعةَ العويلِ!!‏
ويرفعُ الحطّابُ فأس حياتهِ‏
الباكي‏
ليقطعَ ظلَّهُ من جذعهِ،‏
ويخبَّ خلفَ العاصفهْ!‏
بردانةٌ حمصُ الصغيرةُ في السنينِ وخائفهْ!‏
ملقى على أكتافها الصفصافُ..‏
والحَوْرُ العتيقُ يظلُّها،‏
ويرقرقُ العاصي أغانيهِ الحزينةَ‏
تحت ساقيها..‏
وألمحها هناكَ‏
تميلُ فوقَ الماءِ كالعذراءِ‏
تاركةً سنابلَ شَعْرها للموجِ‏
ألمحها على طرفِ البحيرةِ كاليمامةِ‏
باكيهْ.‏
حمصُ التي ولدتْ على صوتٍ‏
يقولُ لها:‏
يحبكُ آخرَ الأيامِ خيّالٌ‏
تَلِدْهُ الشمسُ من رَحِمِ المياهِ‏
الساكنهْ‏
يمشي إليك كأنهُ‏
بدرٌ بسبعِ (حمائمٍ) بيضاءَ‏
يرفعُ خصركِ للريحِ‏
كالقلمِ الجريءْ‏
ويشقُّ غيباً كاملاً‏
في الظلمةِ الثكلى‏
ليشعلَ نجمةَ الأعراسِ‏
فوقَ سريركِ العذريّ‏
كالثلجِ البريءْ‏
لكنّني ما زلتُ ألمحها‏
وراءَ النهر‏
جالسةً على سفحِ الغروبِ..‏
كأنها عذراءُ للنسيانِ‏
أو أيقونةُ الماضي .‏
تحدقُّ في غيابِ الشمسِ‏
كالأمِّ الحزينةِ‏
بانتظار زمانِ فارسها المغيّب‏
أنْ يجيءْ .‏
ما زلتُ ألمحها بمفردِ روحها‏
في آخر العاصي‏
تعمِّرْ حزنَهَا للغيمِ‏
راثيةً أغانيها على التفّاحِ..‏
ألمحها بمفردِ روحها‏
ترعى النواعيرَ العتيقةَ‏
بين أطلالِ الحدا!‏
لا تصرخي!‏
(ما في حدَا)‏
إلاّ الصدى!.