المغنّي الحزين بكى - طالب همّاش

في الطريقِ إلى الليلِ‏
كان المغنّي حزيناً‏
يقطّعُ بالنايِ مرثيّةَ العمرِ بيتاً فبيتْ!‏
كانَ مثلَ الغريبِ وحيدَ المواويل،‏
مستوحشَ العمرِ، تعبانَ، ميتْ!‏
قلت: يا والد الحزنِ‏
إنّا رأيناكَ تبكي‏
كسيفِ المواويلِ في الليلِ‏
فرداً ضريراً‏
لماذا بكيتْ؟!‏
وعرفناك لا فاقداً فنواسيكَ‏
أو يائساً فنسلّيكَ..‏
لا أنتَ ظمآن نسقيكَ شربةَ ماءٍ‏
ولا أنت عريانَ نكسيكَ..‏
كانَ المغيبُ شجيّاً بعينيكَ،‏
والليلُ دائرةً من بكاءٍ وصمتْ!‏
فلماذا بكيتْ؟‏
ولماذا دشرتَ مع الريحِ‏
متّخذاً من عراء الكوانينِ داراً وبيتْ؟‏
هل أصابكَ حزنٌ قديمٌ‏
فأوجعكَ الليلُ في الناي‏
حتى تلبّسكَ اليأسُ‏
والانتحارُ اعتراكْ؟‏
هل سمعتَ غناءً بعيداً فأشجاكَ‏
حتى تشطَّ بك الروحُ يا والدي؟..‏
كفكفَ الليلُ بعد الفراقِ أساكْ!‏
فبكى والدي الحزنُ‏
مثل المؤذّنِ فوق أعالي المساءْ!‏
وبكتْ مواويلُ متروكة للبكاءْ!‏
راهبٌ من بعيد‏
تطلّعَ في وحشةِ الليل مستبهماً‏
ثمّ أغمضَ عينيه حزناً على نغمةٍ ضائعهْ‏
ورثاهْ..‏
الغريبُ الذي كان يضربُ في بهمةِ الليلِ مستوحشاً‏
لم يراهْ‏
.. رجلٌ طاعنُ اليأسِ‏
يحفرُ في الأرضِ حفرةَ موتٍ‏
ويسقطُ فوق حطامِ الحياةِ الحزينةِ‏
ميتْ!‏
فجعلتُ بآخرةِ الليلِ أبكي بكاءً كثيراً‏
وأرسلُ صوتي بعيداً مع النايِ‏
مولايَ مات المغنّي!‏
سألتُ مواجيده عن أسايَ‏
وفعلِ الشقاءِ بوحشةِ نفسي‏
وفرقةِ روحي تحت أديمِ التعاسةِ‏
لكنه لم يجبني المغني..‏
تطلّعَ نحوي حزيناً‏
ففاضَ به الدمعُ‏
وانتشرَ الحزنُ في الريحِ‏
فاحتْ برائحة الصمتِ حسرةُ نفسي‏
فقلتُ له: والدي الحزن‏
كيفَ ذهبتَ وما زلتُ ألقاكَ‏
تعبانَ في المغربِ!‏
كيفَ صرتَ غريباً على هذه الأرضِ‏
لا تستطيعُ فراقاً ولا سفراً يا أبي!؟‏
كيفَ تحمي كآبةَ روحكَ‏
من وقتها المتباكي وهجرانها الأصعبِ؟‏
أبتاه تمهّلْ قليلاً لأرثيكَ‏
أنتَ بكائي إذا ما بكيتْ‏
وشقائي إذا ما ابتليتْ!‏
.. يا حبيباً إلى هذه الأرضِ ميتْ!