على سطوح الصيف: - طالب همّاش

طلعَ الهلالُ على سطوحِ الصيفِ‏
والعشاقُ يرتجلونَ شَمْلَ القمحِ‏
يا ظبياتُ ردّدنَ الأغاني‏
في أعالي الليل!‏
إنّ النايَ راقصةٌ كذيلِ سحابةٍ‏
والنايُ زاجلةُ الحمامْ.‏
وافركنَ أجراسَ النهودِ البيضِ بالريحانِ!‏
سرّحنَ السنابلَ عذبةً للروح!‏
يا للروحِ غنَّتْ عالياً‏
نشوانةً بالخمرِ‏
يصهلُ مهرُ زرقتها المحبَّرُ بالغمامْ.‏
أوّاه يا للكأسِ‏
إنَّ الخمرَ مغريةٌ!‏
وبابُ الصبحِ مفتوحٌ‏
وإبريقي حرامْ!‏
فاتركْ دموعَ الشوقِ في شبَّاكِ أغنيةٍ‏
تذوبُ تساقطاً،‏
واتركْ لهذا الحزن ما للحزنِ،‏
واجنحْ نحو خابيةِ المدامْ!‏
يا طيبها من قهوةٍ‏
تنسابُ في فرحٍ بكأسِ الفضةِ الصافي‏
فَيُوجِعُ مسكها مُزْنٌ‏
وتبدأُ بالتزاوجِ في رحابِ الفجرِ‏
أسراب اليمامْ.‏
قد جاءني طيرٌ‏
وغرَّبَ في الغروبِ‏
ولمَّ أيلولُ الكئيبُ رسائلَ العشاقِ‏
وافتضحَ الهيامْ.‏
* * *‏
طلعَ الهلالُ‏
وذي سماءُ الصيفِ ضاحكة على الليمونِ‏
بيضُ ثيابها فلُّ‏
وسودُ عيونها كحلُ.‏
وتطلَّعتْ بالحبِّ من عليائها‏
قُمْ أيها المعشوقُ!‏
إنَّ الروحَ مجروحٌ بحبّكَ‏
والدموعُ الآنَ جارية لحزنكَ‏
نحنُ كالعصفورِ كلُّ فتاتنا في الصبحِ خبزٌ،‏
نحنُ كالإبريقِ كلُّ دموعنا طلُّ.‏
يا قمحُ‏
يا غزلَ البناتِ،‏
وشعرهنَّ الأسودَ المجدولَ للأفراحِ‏
لو يا قمحُ تعطيني الحفيفَ‏
لكنتُ من ولهي سأعلو.‏
هذا غناءُ الصيفِ‏
يرتفعُ الأرزُّ إلى شغافِ النهدِ‏
ترتفعُ القرى زرقاءَ،‏
صاديةً لذاك الغيم‏
تحتارُ الصبيةُ في تصابيها‏
وتحسرُ ثوبها عن نفسها‏
والحبُّ يحلو.‏
لو كنتُ من شيرازَ يا بغدادُ‏
ما ملَّ الهوى حزني‏
ولا العشاقُ ملّوا.‏
* * *‏
طلعَ الهلالُ الطفلُ‏
وانشرحتْ ليالي الصيفِ‏
يا فلاحُ فاحملْ سلّةَ الرمان‏
للبستانِ!‏
أفلتَ طائرُ الأحزانِ من صدري‏
فنفسي كلُّها شغفٌ،‏
وكأسي مزَّةٌ،‏
والقلبُ صبُّ.‏
من بردةِ الأفراحِ هبَّ الوحيُ‏
والعشاقُ هبُّوا.‏
لا ينطقُ العشاقُ في هذا الصبا‏
إلا بأغنيةٍ‏
وهم كالطيرِ في نغماتهِ لاهينَ‏
ليسَ يحدُّهمْ في حبّهمْ حدُّ‏
وليس يَضيرهم في الشدو ذنبُ.‏
يا قمحُ يا غزلَ البناتِ‏
وشعرهنَّ الأسودَ المجدول للأعراسِ‏
لو يا قمحُ تعطيني الخفيفَ‏
لكنتُ ملتُ مع السنابلِ‏
كلما هبَّ النسيمُ،‏
وكنتُ همتُ مع الجداولِ‏
كلما طلعتْ نجومُ الليلِ‏
والقمرُ الأحبُّ.