غياب - طالب همّاش

وبعدَ غيابكَ‏
مرَّ الحمامُ جريحاً على شجرِ الدارِ‏
والذئبُ ولّى‏
ويبَّسَ فلَّ المساءِ بحاكورةِ الحبِّ‏
بعد غيابكْ.‏
وحطَّ الغمامُ على باحةِ البيتِ يشتو‏
فناحتْ على الشرفةِ الريحُ بردانةً كالعصافيرِ‏
لم تتعرَّفْ إلى روحها في شقوقِ الجدارِ‏
ولكنها انصرفتْ لتنزفَ كالناي‏
خلفَ سحابكْ!‏
وجاءَ الفقيرُ ودقَّ على البابِ‏
لم يستمع أحدٌ لتوجُّعِ حنطتهِ في الجرارِ،‏
ولم ينتبه قمرٌ لقناديل أحزانهِ فاستدارَ‏
إلى مطلعِ الفجرِ يرقبُ طيرَ الأناشيدِ‏
وهو يحلّقُ مثلَ سيوفٍ من الحزنِ‏
فوقَ ضِيَاعِكْ،‏
وجاءتْ فتاةٌ بعمرِ الرياحينِ،‏
جاءتْ بكلِّ حساسينها‏
لتقولَ أحبُّكَ‏
لكنها قبل أن تفتحَ البابَ‏
دقَّتْ على الذكرياتِ،‏
لتوقظها من سباتِ المواعيدِ‏
واسَّاقطتْ وبكلِّ تنانيرها الخضرِ‏
فوقَ ضريحِ فراقكْ.‏
وغَيَّمَ أيلولُ في شَجْرةِ التينِ‏
لم يبنِ عشَّاً على غيمةِ التوتِ‏
كي يتزوَّجَ أنثى،‏
فينجب طفلاً بريئاً‏
يلاعبُ بالوردِ شباكَ داركْ.‏
وبعدَ غيابكَ‏
لبلابةُ الدارِ هرّتْ‏
ومالتْ على الحزنِ‏
صفصافةُ النهرِ‏
لم تبقَ إلا سماءٌ مبللةٌ بالدموعِ‏
وذكرى‏
مهدَّمةٌ فوقَ أطلالِ قبركْ‏