صفصافة على درب الهديل - طالب همّاش

قَمَرُ الحصادِ على حقولِ الصيفِ‏
وامرأةٌ تُحدقّ في خريفِ القمحِ‏
تَارِكَةً لحبرِ الليلِ نهديها..‏
وللصلواتِ كُلّ عذابِها في العاشقينْ! .‏
عذراءُ مثلَ حمامةٍ في النهرِ..‏
يبكي صدرَهَا المتروكَ للرمانِ‏
عصفورانِ‏
مِنْ رَجْعِ الخريرِ، وبلبلٌ مِنْ آهةٍ أولى،‏
ويقبلُ نحوها حادي المواويلِ المشَرّدَ‏
جَارِحَاً أهدابَهَا التعبى‏
بسَيْفِ الياسمينْ.‏
فيلوحُ كالذكرى شَمَالُ جمالِهَا المجروحُ!‏
.. فَاْرِدَةً ضَفَائرَهَا على الريحانِ‏
تَصْرخُ يا حبيبيْ!‏
سبعَ مرّاتٍ قَصَصَتُ ضفيرتيْ،‏
شَبّتْ على حزنيْ السّنابلُ كُلّها ..‏
أنا طفلةُ الزيتونِ‏
تُشْعِلُ قَلْبَها لتراكَ‏
أنا حِدَادُ التائبينْ!!.‏
وأنا سنونوةُ البساتينِ التي ضفرّتها‏
يوماً،‏
ورَجْعُ ربيعِهَا العشرينْ.‏
كلُّ الحساسينِ التي حَطّتْ على صدْريْ‏
لتَحْسُوَ مِنْ قُطيراتِ العذابِ الحلوِ،‏
مَالتْ نحوَ كفِّ الروحِ‏
تاركةً لصبّار الكآبةِ بيلسَانَ النّاهدينْ.‏
وأنّا التي أَحببتُ حتَّى أنْ شَكَكْتُ بطينتيْ،‏
ورأيتُ أبعدَ مِنْ طيورِ الريحِ:‏
قمصانَ الألوهةِ وهيَ تهْبِطُ مِنْ أعالي‏
الغيمِ،‏
والعرسَانَ يمتشقونَ سَيْفَ الصُّبْحِ‏
في سَهْلِ القرى البيضاءِ،‏
والإسراءَ‏
مِنْ ليلِ الحجازِ إلى الشّآمْ.‏
يا قَيْسُ علمّنيْ حمَامُ الدَّوحِ‏
أنّكَ زاجِلُ العشّاقِ‏
في دَرْبِ الهوى الباكي،‏
وساجلُ روحهمْ بالدمعِ‏
في قُرَبِ السحابِ..‏
وفي ظلامِ اللّيل كالقَمَرِ الحرَامْ .‏
فاحملْ رسائلَ قلبيَ الظمآنِ‏
للأقمارِ!،‏
واسفحني على المزمَارِ!،‏
واذرفني كَشَاْلِ الثلجِ‏
في دَرْبِ الغزالْ!.‏
يا قيسُ حبُّكَ قاتلٌ‏
ومَدَادُ قلبِكَ من زلالْ .‏
***‏
الذئبَ يَعْوي في مغيبِ الشمسِ‏
والبيداءُ جَاْثِيَة‏
كَشَمْعَةِ راهبٍ تحتَ الهلالْ! ..‏
وجنوبُ صفصافِ البكاءِ‏
يغضُّ طَرْفَ الحُزْنِ عن لَيْلَى‏
ويرحلُ للشمالْ..‏
يا قيسُ علَّمنيْ زراعةَ قَمحِهَا‏
في سَفْحِكَ العالي!‏
لأسقي زَهْرةَ العُشَّاقِ‏
وَهْيَ تَشُبُّ مثلَ الأرملهْ..‏
وأعانِقَ القمرَ الذي تركوهُ‏
يَتْبَعَهَا كحادي العيسِ‏
ما بينَ التلالْ.‏
هِيَ دَمْعَةُ الصَّلصَالِ..‏
مَحْفُوراً عليها إسْم هذا اللّيْل ،‏
والموّالُ قَبْلَ سقوطهِ‏
من حَسْرَةِ الغيّابِ‏
والعنّابُ في صحرا تُهَامَهْ.‏
وَهِيَ الإقامةُ بينَ خَيْمةِ روحِهَا والدمع‏
تجعلُ رأسَهَا تحتَ الجناحِ‏
كطائرِ البجعِ الحزينِ‏
إذا تغمدَّهَا المغيبُ،‏
ومسّ أطراف البُحِيْرَاتِ الظليلةِ‏
بالغُلاَمَهْ..‏
وهي الحمامةُ‏
قبلَ أن تَرِثَ السَّكينةُ صمتَنا ..‏
وتنامَ ساكنةَ على الأجراسِ،‏
أوّلُ أغنيهْ‏
نامتْ على زَغْرُوْدَةِ الأعراسِ‏
من وَلَهٍ‏
فَعَللَّ قلْبَها المزمارْ.‏
ليلى سماءٌ ثاكلٌ ترعى زَهَوْرَ‏
الحزنِ في دَرْبِ الغيابِ،‏
وغيمةٌ بِكْرٌ تزوّجهَا الضبابُ‏
فأودَعَتْ دَرْبَ الحفيفِ نواحَهَا‏
وتقمصَّتها مريمُ الأشجارْ.‏
يا جذعَ نخلةِ ثُكْلِهَا المجروحَ‏
لا تَتْرُكْ دُموعَ الروحِ!‏
تَسـْـقُط في مِيَاهِ الصُّبحِ كالرّمانِ‏
واتركْ للغزالةِ حزنَها‏
في سَاحِلِ الأسرارْ..‏
مَضَتِ الغزالةُ للحليبِ‏
مَعَ الأصيلِ‏
وَلَمْ تَعُدْ‏
لتردّ للصفصافِ بحتَّهُ الخفيفةَ‏
كلمّا هبّتْ عليه الريحُ نائحةً- ،‏
وتجدلَ لليمامةِ شَعْرَهَا الموؤدَ‏
حينَ تَحِيْنُ أعراسُ الهديلْ.‏
لا بُدّ أنْ تأتي‏
لتُرْضِعَ طائرَ الأنهار قَطْرَةَ حزنِهَا،‏
وتَعِلّ كأسَ أبن الملوّحِ‏
مِنْ شرَابِ السلسبيلْ.‏
لكأنّنيْ شَاهدتُ دِجْلَةَ في ظلامِ اللّيلِ‏
يَرْفَعُ صدرَها للقمحِ،‏
والعُصْفُوْر يرفعُ صوتَهَا للبيلسانْ.‏
وكانّني شاهدتُ سرباً من‏
(زغاريدٍ)‏
يُطيّرُ في الهواءِ الطّلْقِ‏
ثَوْبَ زفافِها،‏
ولفيفَ أجراسٍ يزيّن بالحرائرِ خصَرَها‏
الصاديْ‏
كَعُودِ الخيزرانْ.‏
وسَمِعْتُ موسيقى الغروبِ‏
تَقودُ قُطْعَانَاً من النايات‏
رَاكضَةً علَى دَرْب الغيابِ! .‏
وعازفُ الزَّمْرِ المشردُّ‏
راكضٌ في الريحِ‏
يَقْطِفُ مِنْ أعالي الغيمِ سنبلةَ العناقِ،‏
وبلبلُ الأحزانِ يَعْدُو خَلْفَ آهاتِ الكمانْ! .‏
***‏
سَيَذُوبُ ثَلْجُ العُمرِ يا ليلى‏
وحزنكِ لَنْ يذوبْ!!‏
وسيسقطُ التفّاحُ فوقَ سريركِ الباكي،‏
ورمّانُ الجنوبْ!!‏
والأرضُ تُسْبِلُ راحتيها حينَ تَهْرُمُ‏
روحَكِ الثكلى،‏
ويكتئبُ الغروبُ!!.‏
***‏
يا قَيْس لا تصرخْ على ليلى‏
فقدْ شرَدَتْ وراءَ الشّمسِ‏
راخيةً سنابلَ روحِهَا التعبى‏
وصَارتْ كالنصوبْ!.‏
يا قيسُ لا تصرخ على الريحانِ‏
يفرشُ زهرةٌ‏
سجّادةً لصلاتِهَا‏
وسماؤهَا اتكأتْ على النسيانِ‏
وانفطرَتْ قلوبُ‏
الجلّنارْ.‏
الحزنُ أهدأ مِنْ صلاةِ الفجرِ‏
في بستانِ دِجْلَةَ‏
والدموعُ أحنُّ من ماءِ الترمُّلِ‏
في الجرارْ! .