مرآة التاريخ - أدونيس

(...بَقيّةُ الرّطوبَة الأولى
تجفّفَت ،
وانْعصرتْ من طينها السّاعاتُ ، ما تَبقّى
صارَ إلى ملوحةٍ
أو ربّما صارَ إلى مرارَهْ.)
وقال آخرونْ:
(... خلاصةُ الزّرنيخ بعد مزجها القويّ بالرّمادْ
أو عرق التُراب والحجارَهْ.)
وقيل: مثلُ حجَرٍ
يَرْشحُ منه الماءْ.
وقيل: فيه ماءْ
تأخذهُ الشّمس لها غذاءْ
تصنعُ من فُتاتِه البخارَ ، أو تصبُّه كالجَمْر
في حُفرةٍ عظيمةٍ كالدّهرْ،
ثمّ يعودُ مطراً ...
وقال آخرونْ:
(...دوّامةٌ
وهو كمَنْجَنُونْ
يغرفُ ماء نهرٍ
يصبُّ من جديدٍ
في ماء هذا النَهْرْ...)
...
...ووقفَ الماءُ زماناً،
تخلخلت مراكبي
وغابتِ المناره
وصارت الأمواج كالحجارَهْ -
هل بلغَ التّاريخُ منتهاهُ؟
هل أومأتْ شمسي إلى سواهُ؟
أبحرتُ فيه زمناً
رأيت ما رأيتُ - كلّ جوهرٍ
رأيتُ كلّ طيبٍ ،
رأيت خيزرانةً
تمتدّ مثلَ مَركبٍ
يصعدُ من أطرافهِ لهيبٌ
والشّمس والأيامْ
كالسّمك الطّافي -
وانقلَب المركبُ،
صارَ مرجلاً يفورْ...
وقال آخرون:
(... يسلكُ دربَ الشّمسْ،
فحينما تدخلُ في السّنبله
وحينما تدخلُ برج الحوتِ
أو تكونُ عند القوسْ
تشتدُّ أمواجهُ
وتكثر البلبله.)
وقال آخرون:
(...فيهِ من المَحار
ما يخافُ أو يحنُّ مثل أُمٍّ
والقصَبُ المضيءُ
فيهِ
الغامضُ الشّريدُ
واللّؤلؤُ القريبُ والبعيدُ
والعنبر المدوّر الأزرقْ...
وحينما يبلعُه الحوتُ
يطفو، وبعد برهَةٍ، يموتُ
وقبلَ أن يجرفه التيار
أو يغرق
نَشقّهُ
ونأخذ العَنْبرْ
من جوفِه
كقِطع الجبال أو أكبر...
... ومرّة،
غسلتُه بخلٍّ
أطعمتُه المغنيسيا
وعسلَ النّحْل وماءَ الزّاجْ
وجوهر الزّجاجْ...)
...
وقيلَ: كرسيٌّ من الزُّجاج فيه مركبٌ
ملتصِقٌ بالشّمس فيه لؤلؤٌ
أو سرطانٌ تائِهٌ كالموج،
والتاريخُ مثلُ طائرٍ منبسطٍ في جَسد الإنسانْ
يصدحُ أو يطير أو يَعيشُ
في القبور...
...
(_... وَهْوَ غُولٌ
يظهرُ في الليالي،
ينامُ في الطّريق أو يحومُ
يُزيلُ كلّ باقِ
يُتيه كل سائرٍ
ويملأ العامِرَ والخرابَ...
هكذا، يقولُ بَطْليموسُ
والكوكبُ الذي يُسمى الكلبَ،
والنّجومُ-)
...
... أيتها السّوانحُ اكتَنزتُ -
باضَت تماثيلكِ في هوائي
أجنحةٌ تطيرُ في ثيابي
هواتفاً سمعتُها تغنّي
حاولت أن أراها،
لكنني عجزتُ.