أنا و هي - بدوي الجبل

أقبل اللّيل فقومي وانثري
فوق هذا الرّوض من وجهك نورا

واقطفي لي وردة قبّلها
لؤلؤ الصبح نظيما ونثيرا

واملأي كأسك لي من ريقة
تسكر الأرواح طيبا و عبيرا

ورد خدّيك نضير مستح
فدعيني ألثم الورد النّضيرا

طهّر الحبّ فؤادي فغدا
كفؤاد الطفل يا ميّ طهورا

عمر النفس شعورا بالأسى
و الأسى يخلق في النفس الشعورا

***

إملأي المصباح زيتا و اتركي
لعبيد الوهم نور الكهرباء

وتغنّي بأناشيد الهوى
تسكر الأرواح ألحان الغناء

وارفعي للأفق عينيك تري
أيّ حسن و جلال في السماء

كوخنا يا ميّ في هذي الربى
لا تساميه قصور الأمراء

قد أمنّا قوّة الناس به
أيّ كسب عندنا للأقوياء

صعفاء نحن يا ميّ و ذا
كلّ ما نملك كفّ الضعفاء

***

إسمعي أخبار جنّات الرّبى
ودعينا من أحاديث البشر

بلبلي اليوم حزين صامت
ليت شعري أيّ ألف قد ذكر

و الرّياحين زهت و ابتسمت
حينما غازلها جفن المطر

ذلك الدّوح الذي ظلّلنا
داعبته الريح ليلا فانتثر

أشرق الصبح على زهر الربى
ناثرا لؤلؤه فيما نثر

فاقطفي ما شئت منها و ارفعي
فوق ذا المفرق تيجان الزّهر

***

لا تقولي : قصّ أنباء الورى
حسبنا أنباء هذي الزهرات

و اربإي بالسّمع عن أخبارهم
إنّها تدمي قلوب الفتيات

أمّة تقتل ظلما أختها
و غنيّ مستبدّ بالعفاة

ودماء خضبت وجه الثرى
ودموع كالغوادي جاريات

و شعوب باكيات تشتكي
عنت الأسر و أخرى ضاحكات

وحياة كلّ ما فيها أذى
لا سقى عهد الحيا هذي الحياة

***

إسمعي : لن تسمعي في أرضهم
غير أصوات عويل و بكاء

والد يبكي ابنه أودت به
في الوغى أطماع قوم أقوياء

ورؤوم فقدت واحدها
فتعزّت فيه عن حسن العزاء

ضحكات الأقوياء ارتفعت
و علا بالنوح صوت الضعفاء

أفسدوا الماء على شاربه
فغدا حسرة أكباد ظماء

كيف يروي غلّة الصادي و قد
مزجوه بشابيب الدماء

***

ميّ : عفوا ما لعينيك و هي
فيهما سلك اللآلي فانفرط

أما أحزنتك يا ميّ فهل
يغفر الرحمن لي هذا الشطط

إحسبيني كاذبا وابتسمي
ودعيني أرتشف هذي النقط

أدمع طاهرة ، ذوب الندى
فوق أكمام الأزاهير سقط

لا رعى الله قويّا فاتحا
المنايا ناشطات ما نشط

أنّت الثكلى فولّى ضاحكا
ورأى الأسياف تدمى فاغتبط

***

كفكفي دمعك يا ميّ فقد
جرحت قلبي هذي الأدمع

و تناسي عالم الشرّ فما
في هدى هذي البرايا مطمع

و اتركي القصر منيعا عاليا
حسبنا هذا الفضاء البلقع

و اقنعي : أشقى البرايا طامع
سادر في غيّه لا يقنع

تحت أغصان الدوالي بالربى
هيكل الحبّ الطّهور الأرفع

هيكل الحبّ الذي أجثو به
خاشعا : ما حبّ من لا يخشع ؟

***

ها هنا في الروض و الروض شذى
بيعة الله تضمّ المؤمنينا

فالبسي الإكليل يا ميّ فقد
أشرق الصبح على الدنيا مبينا

حفلة العرس و من زهر الربى
قد دعونا يا ابنة الخير مئينا

و طيور الروض يا فاتنتي
قد أقمناها مقام المنشدينا

أقبل البلبل فاجثي و اخشعي
و اتركي الأزهار يلثمن الجبينا

يا له من مؤمن يمنحنا
بركات الأتقياء الصالحينا