هكذا أيها النبي - بهيجة مصري إدلبي

إلى من قالت له الأرض :
هو الكون حي يحب الحياة
ويحتقر الميت مهما كبر
إلى " أبو القاسم الشابي "
الذي رأى في الموت خلوده الجميل
*
نشأة
*
طلعنا من الماء
والكون عتم
يوزع أسراره في الفكر
مشينا وكان الطريق طويلا
وكانت أصابعنا في الرمال
فمال الهواء علينا قليلا
وبانت لنا خافيات القدر
وقالت لنا الكائنات :
سلاما
لكم بحر هذا الكلام
لكم رحلة غاب عنها النظر
فقلنا :
سلام هو السر كان
فكان المكان وكان الزمان
وكانت لنا أغنيات الوجود
وكانت لنا رعشات الخلود
لنا كل شيء
لنا الريح
والبحر
و السر
لنا كل شيء
نشير إلى اللون يأتي
فنقرأ فيه انصداع الجهات
لنا كل شيء لنا وحدنا
فقالت لنا الكائنات
لكم وردة الحب
والليل والفجر والعتم والنور
لكم همهمات الدروب الحزينة
لكم غفلة تنبش الوقت من رمله
لكم شجر يطاول أحلامه
ثم ينهار فوق المدينة
لكم رحلة في كهوف الظلام
" إلى الموت " رحلة كل البشر
فقلنا سلام
لنا كل شيء
ومن كون أحلامنا يطلع الماء
ينزل في مقلتينا المطر
طلعنا من الماء
والكون بوح ندي
وسر بعيد الرؤى مستتر
طلعنا فقالت لنا الكائنات :
طلعتم
فكانت نوافذكم من دموع
وكانت قوافلكم
من مناديل خضلها الانتظار
طلعتم فكان الغياب
وصار الكلام كلاما
يمر على غفلة من شموع النهاية
وصار الهواء
قناديل من غيظها تنكسر
سلاما عليكم
على أرضكم حين تعلو الدماء
سلاما على روحها المندثر
فقلنا :
سلام لنا كل شيء
فقالت لنا الكائنات كفى
لقد غاض صوت اليقين
وصرتم جميعا بقايا حنين
وصارت أمانيكم رحلة من جنون
هو الكون أمسى كتابا حزينا
هو الحزن أمسى رفيق السفر