فيوضات فارابية - بهيجة مصري إدلبي

عانقَ السرَّ في رُؤى الأزمان ِ
حارَ فيه الهوى مع الألحان ِ

عرفَ القولَ حين أَفضى إليهِ
بفؤاد ٍ مُحلِّق ٍ ولسان ِ

فَطَوَى العمرَ في سطور كتاب ٍ
ثمَّ أَسرى لعالَم ٍ حيران ِ

أيقظَ العقلَ من غيابٍ طويل ٍ
وَسَرَتْ فيه حكمةُ اليونان ِ

حتى أمسى مُعَلّماً وحكيما
حاملاً حلمَ عالَم ٍ إنساني

منطقُ الدهر أنْ يكونَ أرسطو
أولاً وَهْوَ في المقام الثاني

أَوجَزَ القولَ في الوجود صلاةً
تتجلّى بمنطق القرآن ِ

وتراءى لهُ الوجودُ وجوباً
ووجوداً يكونُ بالإمكان ِ

فإذا الكونُ وحدةٌ لوجودٍ
منهُ فاضتْ سعادةُ الإنسان ِ

فلسَفَ الكونَ مُذْ تكوَّنَ فينا
فكأنَّا صحائفُ الأكوان ِ

نحن فيضٌ عن الإله فكنَّا
فيضَ عقل ٍ نفيضُ بالوجدان ِ

كلُّ شيء لديه فيضٌ لفيض ٍ
حكمةُ العقل في رُؤى البرهان ِ

سكنَ الحلمُ فيه كلَّ مجال ٍ
هامَ عشقاً بعالَم رُوحاني

قالَ للعلم أنتَ طوعُ يميني
أنت معراجُ رحلةِ الإيمان ِ

فأبو النصر فاق كل زمان ٍ
عقله الفيض فاق كل بيان ِ

هو في الطب فاق كل طبيب ٍ
عالجَ الروح من عمى الأبدان ِ

أي لحن سرت إليه الليالي
بخشوع زهية الألوان ِ

عزف الروح في المسافة لحنا
أبديا يفيض بالإحسان ِ

فوجدنا إلى الخلود سبيلا
إنه السر في مدى العرفان ِ

إنه البحر إنما دون شط
بحره الوجد ضاق بالشطآن ِ

قال ربي أعوذ من كل جهل
هبني فيضا يذوب فيه كياني

هذب النفس من هيولى وجودي
وأعذني من ربقة الأحزان ِ

واعصم النفس أن تزل وهبني
حكمة فيها لا يضل جناني

واجب أنت في الوجود إلهي
وأنا العبد في وجوده فان ِ