مَا سِرُّهَا..؟ - سمر علوش

لا أرضَ تحفلُ بالغمامِ
أَدِرْ هطولَ نداكَ
نحو القلب يا قلبي،
فهذي الأرضُ ضيِّقةٌ
بما اتَّسعتْ،
وغارقةٌ بظلِّ شحوبها.
وعليَّ أن آوي إلى روحي
لتعصِمَني
إذا ما الريحُ أشعلت الفضاءَ
وجُنَّ في بهوِ الهواءِ هبوبها.
لا أرضَ تحفلُ بالغمامِ،
فهل تخبِّئُ لي بلادي عشبةً
وقصيدةً خضراءَ
أو أقصوصةً من شالِ جَنَّتِها
وهذا أمرُها
ما بينَ صمتٍ
أو ضجيجْ ؟
القهرُ يبني عرشَهُ العلويَّ
فوق رمادِها
وخطوطِ صوتي المرِّ
ثم يُخلِّقُ الأيامَ
والأحلامَ فيها
مثل ما يهوى
أنيناً أو نشيجْ .
كذبَ الصباحُ عليَّ ،
أبصرُ فجرَهُ المأمولَ
أعتمَ من قبابِ الليلِ ،
كلُّ حمامةٍ في الشامِ
تسأل عن سماءٍ
لا تضيقُ بجنحِها
وتؤوبُ من قفصٍ
إلى قفصٍ ،
وأبصرُ ضوءَهُ مَيْتاً
وقد شردتْ قوافِلُهُ
فلمَ تلج المحيطَ
ولا الخليجْ .
كذبَ المساءُ عليَّ ،
لم يأتِ الندى
من رعشةِ القصبِ الحزينِ
ولم يقمْ سرٌّ
من المصباحِ
يفتتِحُ المسيرَ إلى اخضرار الوقتِ ،
كلُّ سحابةٍ
ذهبت إلى بغداد حافيةً
فما قرأتْ لها عرافةُ الأمطارِ
برجَ الماءِ ،
كلُّ صبيَّةٍ مثلي
أضاءتْ شرفةَ الأحلامِ
سوسنتينِ كاملتينِ
واحترقتْ على شمعِ الأفولْ .
كذبَ الكتابُ عليَّ ،
إنَّ الأرضَ ضيِّقَةٌ
بما رَحُبَتْ ،
وهذا الوقتُ موتٌ
أو ذهولْ .
ضيَّعْتَ عمري يا كتابُ ،
أرى الحروفَ عواصفاً
تقتات من أملي
وتنسجُ بُردةَ الثلجِ العتيقِ
على دمي ،
فأَدِرْ كؤوسَ نداكَ يا قلبي
على أهلِ الطُّلولْ .
ماذا تُخبِّئُ لي بلادٌ
جرحُها وردٌ سماويٌّ
يظلِّلُ قصرَها العالي ،
ويسكبُ ماءَهُ الجوريَّ
تحت سريرها ؟
قمراً يجيءُ معلَّقاً
في شَعر ليلكِها
ليحملَني على رمشينِ
من نورٍ بديعٍ ؟
أم عناقيداً من المطرِ المحلَّى
تغمرُ السهراتِ بالأحلامِ ،
مكتملٌ نداها
مثلما اكتملتْ ورودُ خدودها ؟
كذبت رؤايَ عليَّ ،
وامتلأت يدي عصفاً ،
فأين وعودُها ؟
ما سِرُّها .. ؟
سبحانَ من سوَّى جدائلَها
سواقيَ من ظلال مسائِهِ ،
وأقامَ فوق زنودِها
درجَ الضياءِ
إلى مداهُ ،
وقالَ : كنْ ،
للدمعِ ،
فاعتمرَ البيوتْ .
ما سِرُّها .. ؟
لفَّتْ على لوزي حبالَ البردِ ،
واستعذبتُ عمراً
فوق راحتِها
يموتْ .
سبحانهَا ..
مَسَّتْ زجاجَ الروحِ فيَّ
بنورِها
فأضَأْتُ ،
هزَّتني بكفِّ نسيمِها
فغَفَوتُ ،
نادتني إلى علياءِ غرَّتِها
فقُمْتُ ،
فكيف حين أمدُّ وجهي
لاستطالةِ غيمِها
سبحان فصلِ هبوبها
ترمي يدي بحريقِها ؟
سبحانها ..
فاضَ الغناءُ على حوافِ حضورِها
وتريدني ظلاً
لأصداء السكوتْ .
ماسِرُّهَا .. ؟
ما سِرُّ هذا القلبِ ،
تصلبُهُ على أشواكها
ويقومُ حين تئِنُّ من أحزانِها
لفداءِ وجنتِها الغمامْ ؟
ألأَنَّ جبهَتَهَا البّهيَّةَ
تعتلي برجَ السماواتِ القصيَّةِ
ليسَ يدرِكُها الحمامْ ؟
هي قسمَةٌ ..
حزنٌ ،
لها في القلبِ نهرٌ من ندى ،
ولَهُ شقائِقُها ،
وشاهدةٌ سيغمرُها الزحامْ .
لا أرضَ تحفلُ بالغمامِ
عليَّ يا بلدُ السلامْ .