كما يليق بحبهّن - سمر علوش

(1)
ما كنتُ وحدي،
كلهنَّ عبرن بحرَ العمر
حتى انشقَّ عن زبدٍ
ولم يقبضن إلا الملح
من موجِ الحياةْ.
و كما يليقُ بحبهنَّ
اخترنَ أمر القلبِ
صدّقن الرؤى في أعذب الأحلامِ،
صدّقن الأغاني الحانياتْ.
لا شيءَ إلا الحبّ يفرحهنَّ،
تكفي قطرةٌ من نهرهِ
لتشفَّ عاشقةٌ كماء اللوزِ
أو أندى،
وتزهر فجأةً في راحتيها باقةٌ
من أمنياتْ.
لكأنهنَّ قصائد بالحبِّ
لا بالحبرِ
يكتبها رنينُ قلوبهنَّ
فإن عشقن يشف نورُ عيونهنَّ
كأنه الألماسُ،
لا يَخفى،
ولا يُخفي ضياهُ.
وإذا تدلى البوحُ
من أغصانِ حبٍّ
سوف يكفيهنَّ وعدٌ بالقصائدِ
كي يفتّحَ في ضفائرهنَّ فلُّ الشعرِ
مكتملٌ نَداهُ.
و الحب يُبكيهنَّ،
يُبكيهنَّ ملء البحرِ
حين يمرُّ مثل الريح
في الشجر البهيِّ بعمرهنَّ
ويترك الأغصانَ عصفاً من خطاهُ.
**
(2)
وكأن جراح الكون نساءْ.
اللاتي نَبتْنَ كما الصفصاف
على أطرافِ الماءِ،
وظَلْنَ يظللنّ الأنهارَ
لئلا تحرقها شمسُ الأيام
ومتْنَ بلوعتهنَّ لشربة ماءْ.
الحزنُ وهنَّ
كمثلِ الصوتِ وتوأمهُ
في هدأة وادٍ،
هُنَّ وموعدُ حبٍّ
حتى آخر قطرة عمرٍ
مثل لقاء قطارٍ بالغرباءْ.
يحلمن بأن يسندن العمرَ
بظلِّ العشقِ
ويقطعنَ الخطوات إلى عتباتِ الحبِّ،
كما حوريات يبحثنَ
عن الفردوسِ
بصبر السفن على الأنواءْ.
يحلمنَ
إلى أن تنغرسَ الحسراتُ
كما جمرٍ
في أعينهنَّ،
فيسندن المتبقي من عمرٍ
بالصبر على خيبات رجاءْ.
يستيقظُ خيطُ الصبح
على نقراتِ أصابعنَّ
على باب الشرق المترنح نوماً،
يمسحنَ بماءِ الزهرِ
جناح يماماتِ الأكبادِ
إلى أن تدمعَ عينُ البيتِ
على قلبٍ
ينتظر رجوع النبضِ
مع الأبناءْ.
لا شيء كخيبتهنَّ
سوى خيبات الصدقِ
من الغزلِ المهدورِ
على ورق الشعراءْ.
لكأنَّ الحزن
وهنَّ
سواء.
(3)
لا... لستُ وحدي،
كلهنَّ كَبرنَ بالأحزانِ،
يُحسبُ عمر عاشقةٍ
بما ذرفته من دمعٍ،
ويُحسبُ طول قامتها
بما تركته في الطرقاتِ
من خيباتِ ظلٍّ مفردٍ،
لا شيءَ يُذكرُ بين ذاكرتينِ
من وجعٍ
سوى وجعٍ يطولُ.
لا شيء يُذكرُ،
غيرَ أن دفاترَ الأيام
شرفتُهنَّ في الليل الطويلِ،
وكلما مرَّ انتظارٌ خائبٌ
في بالهنَّ
يزيدُ جذع الحزنِ دائرةً،
وينقصُ من غدٍ دهرٌ،
ويهرم في احتفال النبضِ
قوسُ كمنجةٍ،
ويمرُّ صمتٌ خانقٌ
يمشي الهوينى،
مثلهُ موتٌ خجولُ.
لا شيء يرجى،
كلهنَّ عبرن في كتب الزمانِ
كمثل حرفٍ ناقصٍ،
لم تنزل الآياتُ يوماً
باسمهنَّ،
ولا نواقيسٌ تُدَقُّ
بكفهنَّ،
ولا يدٌ مسَّت
بلا شهواتها
دفأً بطيبة روحهنَّ،
وسوف يعبرن البقية
من تفاهات الزمان
كمثلِ برقٍ خاطفٍ
والكونُ يغرقهُ الأفولُ.