الموجةُ الطروبُ - طلعت سفر

لا شِعرَ... إلا للنّدى والطِّيبِ
فَفَمُ القصائد... سالَ في التَشْبيب

أدعوهُ في الخَطْبِ الجليل... بأدمعي
ويظل رغم الدمع.. غيْرِ مُجيب

ضمّختُهُ بضفائرٍ مجنونةٍ
فعبيرُهُ من صَبْوتي...ونسيبي

وحسبتني.. ودّعتُ أيّامَ الهوى
لمّا أطلَّ بدلِّهِ المرغوبِ

حُورُ العيونِ أميرتي... وقضاؤها
أرضاهُ في العُتْبى وفي التَّثْريب

ولمى الشفاه الظامئات... أحبّه
من لا يذوب بحسنه المشبوب!!

ماكان أحلانا.. ونحن مع الهوى!
والحب... أجملُ مايُرى في الشّيْب

قد زيَّنَ الشيبُ المبكِّرُ مفرقي
بزنابقٍ يضحكْنَ... دون طيوب

هدَّأَنْ من عَصْفِ الحنين... فهل مضى
لهوٌ... وأقصَرَ عنه عهدُ مشيب؟!

لي عند شطّ اللاذقية موعدٌ
أحلى الكلام.. حملته لحبيبي

فوق الرمال السمر... كان لقاؤنا
والشمسُ تُسبِل شعرها لمغيب

تركتْ على خدِّ الأصائل حُمرةً
قُبُلاتُها... من بعد طول شُحوب

... وسباقُ صبيانٍ وراء مراكبٍ
أو موجةٍ عند المساء طَرُوب

نَعَسَتْ وقد مدَّ النسيمُ.. جناحَهُ
فنفى لذيذَ نُعاسها بِهُبوب

مازال يدفعها الحنينُ... لشاطئٍ
كي يستحمَّ بدمعها المسكوب

ألقَتْ لديهِ همومَها.. وشكّتْ له
وَجَعَ السهاد.. ولوعةَ التعذيب

لم تلْقَ حِضْناً دافئاً... فتراجعتْ
ولْهى.. تلملمُ حَسْرَةَ المنكوب

كم نَمْنَمَتْ ثوبَ الرمال!! وغادَرَتْ
مثلَ الجُمان.. بجيئَةٍ... وذُهُوب!!

أَتَلَعْنَ هاماً... واصْطَفَفْنَ ترقُّباً
في ملعبٍ للضامراتِ.. رحيب

ونَضَحْنَ من تَعَبٍ... فما من صاهِلٍ
إلا كشؤبوب السماء... صَبيب

يَنْدُبْنَ آمالاً خَبَتْ... فلهنّ في
سَمْع الدجى... شجوٌ... وصوتُ نحيب

فكأنهنَّ نوائحٌ في مأتمٍ
يُبْدِينَ لَبَّاتٍ بِشقِّ جُيوب

ياموجةً.. أضْنى الرحيلُ فؤادَها
أشْبُهَتْنِي بتوجُّعي.. ونُدوبي

أيُّ المرافئ يستبيكِ جمالُهُا!!
حتى عَجِلْتِ لموعدٍ... مضروب

يسري بكِ الشوقُ المبرِّحُ... والهوى
عُرْيانةً.. مختالةً...كلّعُوب

وتركتِ للعُذَّالِ أن يَتَقَّولوا
لما أَبَنْتِ صبابةَ المحبوب

لم تكْحْلَي عيناً.. ولم تتزيَّني
بجديدِ ثوبٍ للوصالِ.... قشيب

منَّيْتِ نفسَكِ بالطَّلاوةِ.. والمنى
وشربتِ من كأسٍ لهنَّ.. سكيبِ

تبْكينَ من زمنٍ، أما من راحة!!
تعبَ الأسى من دمعِكِ المصبوب

لو أستطيع أَسَوْتُ جرحَكِ... إنّما
أنا منكِ أحوجُ للأَسَا.. وطبيب

قد شفَّ قلبي الوجدُ مثلكِ... ..والجوى
حتى اغتسلتُ بشوقي المخضوب

مُدِّي إليَّ يدَ الحنان... وقرّبي
خدّاً... أُريحُ عليه بعضَ كُروبي

شِيبَتْ مدامعُنا.. ومامن واصلٍ
كالدمع بين غريبةٍ...وغريب

وُلدتْ بنا أحزاننا.. فكأنّها
منقوشة في لوحنا المكتوب

***

ياحلوةً... سكن الجمالُ جبينَها
وسكنتُ منها طائعاً بلهيب

فإذا نظرتِ... ملأتِ كأسي خمرةً
وإذا ابتسمتِ سكرتُ من مشروب

وقفتْ بي الآمالُ... حيث تركتِني
فأنا أعيش بخافقٍ مصلوب

بأبي العيونُ الخائفاتُ... أمالَها
يومَ...تبثُّ الحبَّ دون رقيب!!!!

لعب الحنينُ بها... وحين ترقرقتْ
غطّتْ مسافِحَ دمعها... بخضيبِ

وتنهَّدتْ من لوعةٍ... مُهتاجةً
كالريح لما آذنَتْ بِهُبوب

أَرْخَتْ عِنان الدمع من أهدابنا
كفُّ الوداعِ... وأمسكتْ بقلوب

ذهبتْ بقلبي المُسْتهام.. ولم تدعْ
للحبِ... غير بقيّةٍ من طيب

أنا بعد عينِكِ...لست أعرف..... من أنا
كل الدروب الموحشات... دروبي

مدَّ الكرى للعاشقين... ظلالَهُ
لكنَّ عيني لم تَفُزْ بنصيبِ

*

13/12/1990