طريق الجلجلة مناجاة فدائي فلسطيني - طلعت سفر

ـ 1 ـ
ـ على جدران مدرستي..... رسمتُ طريق جلجلتي
حملتُ صليبها الممتدّ من جرحي..... ليلثِم شرفة الأقصى الذي صلى به عُمرُ
كأني ما حملتُ القدس أغنية على شفتي.... ولم يهتِفْ بها العُمُرُ!!!
بساحتها... تلوح مآذنٌ تبكي على أصحابها السُّورُ
.... وأجراسٌ.... يكاد رنينُها المذعورٌ ينكسرٌ
تكاد الأرض تحضُنني بها الأحجار.... والشجرٌ
وتدعوني تراباتٌ.... بها أنفاسُ من عَبروا
فتخلع ظلّها الأوقاتُ من سأمٍ... وتلبس ثوبها الدامي
كأن الخوف لم يُشعلْ حرائقه بأيامي
ولم يعصِفْ بنهر دمي.... أزْحتُ خواطراً تغتال إقدامي
ولم أترك لغير الأمس نافذةً تطالعني بجرحٍ غير ملتئمِ
سددْتُ نوافذُ الندمِ...
وأسرجْتُ الجوادَ الصعب..... كي أمشي على درب من الألمِ
دعوه يمتطي حُلمي.... ويرسُمْ لي غدي الحجرُ
أنا المهزوم في أمسي.... ولكني سأنتصرُ
ـ 2 ـ
دعوه يسرجُ الآفاق كي يلقى الجباهَ العابساتِ... ويستحمَّ من التعبْ
تحدوه أفراسُ الإباء الصاهلاتُ.....فيرتدي جمرَ الغضبْ
ويكاد يُلبس كل طاغيةٍ... قميصاً من لهبْ
ما زال يقتحم المدى نسراً.... ويعرف دربه الحجرُ
يعانق أوجهاً صفراءَ... يستلقي بها غدرٌ... وأوثانُ
ويستهدي ـ إذا سارت ـ بها موتٌ... وأكفانُ
تكسِّر أدْرُعاً مشدودةً... يزهو بها كبَرٌ وأوطانُ
ترُشُّ جوانب الطرقات بالأوصابِ.... والعِللِ...
تحطّم كل برعمةٍ.... تمدُّ جفونها للشمس.... والقبَلِ
وتثقُبُ أوجهَ الأطفال... بالأجلِ
دعوه... يسأل الدنيا... ومجلسَ أمنها المنحازَ عن دولٍ بلا حق... وعن حقٍ بلا دُوَلِ
دعوه كل آونةٍ يدُقُّ بصدره بوّابة الأملِ
.....نبيّاً يرجُمُ الأوثان في أرضٍ من الرُّسلِ
دعوه..... يمخُرِ الأجواء مشتاقاً... ويركزُ فوق خدِّ النجم أحلامي
ويعبُرُ جسرَ آلامي...
وينقلني إلى شطّ الغد الآتي... على أمواج ثاراتي
سأدفن كل أوجاعي... وآهاتي... وامسح وجه أوقاتي
بكف صمودي الدامي
سأحمل نبْضَ أيامي... ويحمل ثورتي حَجَرُ
أنا المهزوم في أمسي... ولكني سأنتصر
ـ 3 ـ
بجرحي... سوف أشعل موقداً في كهف هذا الليل يستهدي به الشاكون من رَمَدِ
وأنثُرُ بالدم القاني شموساً يستضيء بنورها الآتون من بعدي بلا عدَدِ
سأزرع وردةً حمراءَ... كي تزهو سماءُ غدي
أدُقُّ الصمتَ كالجدران فوق "مكارم" البلدِ
أهِزُّ بها "توابيتاً" مُحنَّطةً.. وأنطح صَخرةً صمَّاء قد تهوي... وتنكسر
سأحمل راية للثأر.. قد تغتالها ريحٌ... وقد أغدو بغير يدِ
ولكني سأبقى قامةً للعشق... مشدوداً إلى أرضي
أسيل بتربتي العطشى.... لتشرب بعديَ العُصُرُ
وينفُشُ ذيلهُ الخطرُ.... ولا ألوي فيندحر
وترخُصُ كل غالية.... ويكبر في يدي الحجر
أنا المهزوم في أمسي..... ولكني سأنتصر
أقلب في المدى عينيْنِ.... "من شكٍ ومن عجَبٍ"
ومن ماءٍ إلى ماءٍ... تمدُّ بساطها العُرْبُ
ودمعُ القدس يسألني: "أيُبعد بيننا القُرْبُ"؟!
أيا وطناً... توسَّدّ ذُلَّ راحته... ونامتْ ملأها الهُدْبُ!
وسكينُ الطغاة.. تحزُّ خاصرة الجراحِ... وينزفُ القلب!
أيا وطناً... مشت في ظلّه الأقدار حين مشى...!
وألقتْ فوق كل ثرىً... خضيبَ نِقابها الحربُ
وأرخى السلم أجنحةً... يفيءُ بظلها الحب
أترفع رايةً للصمت... والإذعان؟! أم ترمي على سقف الخنوع إباءك العربيِّ مختاراً
وتسترخي الجيادُ الصافناتُ... ومجدُ صهيلها يكبو
هنا التاريخ... يفتح دفتيْهِ.. وتكتب العَزَمات رغم العسفِ أمجاداً
ـ فكل مقاتلٍ في أرضٍ "غزّةٍ" أو "جنين" اليومَ... أقسم أن يموتَ....
ـ وكل ضفيرة من شعرها المجدول بالعَتماتِ....
كلّ دمٍ... وكل تُرابةٍ في القدس تصرُخُ: رغمَ كل القتل والتنكيل... رغم الحبْس
رغم الهدم... رغم الجوع... لم تَطْوِِ رايتها الجموعُ ولا تزال تُضاربُ الصخر العنيدَ...
فيا ملوكَ النفط!!
هذا الصمتُ... قد زادت ليالينا به ظلما... وأجرى بالدم الطرقاتِ حتى غاص من فيها
إلى الرّكبِ...
وأطلق آلة التدمير في وطنٍ يسربله الوفاءُ... ويكتوي ـ رغم الوشائج ـ بالعقوق
وهجرة النَّسبِ....
دعونا من دعائكمو... فكفُّ العَجْزِ تُقفل كل أبواب السماء
ولا تكفي الهباتُ... ولو كانت بلا عددِ
فكل مقاتلٍ.... أو كل مسمار بخصر مقاتل أغلى من الذهب
ومن رحم الجراح النازفات... الفجرُ يُطلع صبحَ غُرّته... ويغمرُ أمة العرب
فتضحك شمسُ أوقاتي
وظلُّ اليأس ينحسرُ
أنا المهزوم في أمسي
ولكني سأنتصر
أفيقي يا ملوكَ طوائفٍ صُنعت لها في الغرب.....
هل يرضيك ما فعل الغزاة بأرض أحمد والمسيح...؟!
وأنت ـ عامدةً ـ أدَرتِ إباءكِ المحبوسَ عن جرحي النزيفِ
ألم يحن أن تنفضي عنك النعاسَ المستطاب.... وتهدمي سورَ الترددِ... والسكوتِ؟!
فها هنا هِممٌ تخاطب بالدم العربي ثورتها.... وترفع للذّرا علما...
...وأحلامٌ.. كأجنحة النسور تعوّدت أن تسكن القمما
هنا الصبيان... ما عرفوا سوى السكيّن.... والحجرِ الصغيرِ دُمى
ونسوانٌ.. إذا زغردن هَدَّأنَ الجراحَ الحُمْرَ... والألما
يُدرنَ إلى الوليد العزّة القعساء... والشمما
فينهد مثل بركان من اللهبِ
هنا بوابة الأحرار... ترفعها الحجارةُ.. والصدور العاريات بوجه ذؤبانٍ ملثمةٍ....
أواجه جوعها وحدي... ولا أخشى من العطبِ
كما الإعصار يهدر كل آونةٍ.. بلا تعبِ
سأشعل أنجمَ الغضبِ
ليستهدي بها السَّفرُ
أنا المهزوم في أمسي
ولكني سأنتصر
ـ 6 ـ
ملأت حقائبي شمماً.... لكي أمشي على دربٍ من النار
أتوّج كل منعطفٍ.. بإقدامي.... وإصراري
وأطعن سُرّةَ الدنيا... بزند إبائيَ العاري
وكيف أخاف من موتٍ.... أعلقه بزناري؟‍
وأسمع هاتفاتِ المجد تدعوني... فتسبقني إلى أحضانها صُوَرُ
أمدُ دمي لأعبر نار ضفتها.. ويركض خلفي القدرُ
وفي صدري براكين الدم العربي... تستعر
كأني لابسٌ جرحي... وأنزف دونما ألم
حملت صباح أغنيتي وطرزت المدى بدمٍ يزغرد حين ينتثرُ
أنا المهزوم في أمسي ولكني سأنتصر