المهاجر - طلعت سفر

حدثتني نفسي بالهجره

فكان لي معها هذه النجوى...

*

أي شيءَ يغنيكَ حتى تعودا؟
أيها التاركُ الثرى... والجدودا

لا تقل: أصبح الزمان عنيداً
ما خبرنا الزمان... إلا عنيدا

كيف يحلو لك المُقام غريباً؟
ويطيب العيش المريرُ... بعيدا؟

قد يطول الليل الذي أنتَ فيه
أفترجو في الليل عيشاً رغيدا؟!

أنتَ رغم الزِّحام... تبقى وحيداً
كيف تقوى على البقاءِ... وحيدا؟!

إنما الأهل والأقارب أوْلى...
حيث كان العطاء منك حميدا

هاهنا أهلكَ المحبّونَ... فارجع
سوف تلقى مَرامك المنشودا

هم عيونٌ مسمّرات على الأفق..
.. وتوقٌ يفجّر التّنهيدا...

قد تركتَ الأحبابَ جفناً دميعاً
والليالي الوِضاءَ بالأُنّسِ... سودا

أنتَ أصبحتَ بعدما كنتَ سلوي
أدمعاً في العيون... أو تسهيدا

أنتَ رسمٌ على الجدار.. فهلاّ
كنت للدار... طائراً غِرّيدا!!

هي ذي الشمس يشرئبُّ سناها
حاملاً لؤلؤاً يرشّ الوجودا

ولهاث الفلاح في الحقل... أسمى
صلواتٍ عندي... وأحلى نشيدا

تدرج القُبّرات.. خلف خطاه
فرِحاتٍ.. فتملأ الأرضَ عيدا

والسواقي... كأنهنّ صبايا
يتناشَدْنَ راقصاتٍ..."قُدودا"

يتهادَيْنَ... كالبشائر دَلاً
ليس يعرفن جَفْوةً أو صُدودا

والروابي... يلبَسْن في كل يومٍ
من هدايا الربيع... ثوباً جديدا

ملعب للجمال... يصبح غاباً
في الليالي... وحائطاً مسدودا

ما استراح الغزاة فيه.. ولكن
تركوا في البطاح "إرثاً فريدا"

فلكم قبّل الرصاصُ صدوراً!
ولكم عانقَ الترابُ شهيدا!!

ما لأوطاننا الغداةَ... حدودٌ
فجسومُ الأبطال صارت حدودا

يعبرون الحياة فوق جسورٍ
لا ترى بعدهنَّ إلا الخلودا

شالنا الحبُ والحضارةُ... فكراً
ويداً تحمل الندى... والورودا

ورفعنا منائراً... للحيارى
ركز المجد فوقهنَّ بُنودا

نحن كنا سراجَهُ.. وعصاه
يوم كان الزمان أعمى.. طريدا

ودرجنا به إلى كل فجٍّ
بعدما كان الزمانُ أعمى... طريدا

مشعل النور والهدى في الدياجي
قد حملناه سادةً... لا عبيدا

ها هنا يرسِم الطموحُ المعالي
ويصوغ الأحرار فجراً جديدا

*

26/10/1988