نافذة إلى الشمس - طلعت سفر

لا نوم... يحلو لأجفاني... ولا سهر‏
لولا سواعد بالعلياء تأتزر‏
على سرير العلا شبّتْ.. وعمدَّها‏
بالأُمنيات... غدٌ كالوعد مُنْتَظَر‏
وشمّر المجد فيها عن عزائمه‏
فكل قيد عليها اليوم ينكسر‏
اليأس...‏
يزهر فيها حين تطعمه‏
لحمَ الرصاص... ويسقيه الدم العَطِرُ‏
براعمٌ... لوّحَتْها شمسُ عزّتها‏
فهل بغير رفيف المجد تزدهر؟!‏
"قد يُشْرع الزهر شوكاً رغم رقْته‏
حين ينافح عن أكمامه الزَّهَر"‏
لولا القذى في عيون القدس ما رمدتْ‏
ولم يعرِّشْ على جدرانها ضَرَرُ‏
كل الأناجيل تبكي في كنائسها‏
وفي المحاريب... من قرآنها عِبَرُ‏
بحزن أجراسها... أيامنا اغتسلتْ‏
وبالأذان... كسا أوقاتَهُ السَّمَرُ‏
تبارك المسجد الأقصى... وقد شَمَختْ‏
فيه العروبة... مذ صلّى به عُمَرُ‏
وبورك الطفلُ في الساحات منزرعاً‏
ولا يريم... إذا ما زغرد الخطر‏
طافت بعينيْهِ مثل الحلم أخْيلةٌ‏
كما تطوف بعين العاشق الصُور‏
أبدى الهوى وجهَ أم... كلما التفتتْ‏
ضاء الحنان به... والمدْمَعُ العَبِرُ‏
ولم يزلْ من أبيه... حين ودّعه‏
لهيبُ عزمٍ... ومن إصراره شرر‏
ألقتْ بأهليه يوماً ريحُ نكبتهم‏
إلى الخيام... فلم يهدأْ بهم سفر‏
توزّعتْهم منافٍ ينسجون بها‏
حلماً... تساوره الأحداث والغِيَرُ‏
في كل عين دموع القدس ساهرة‏
كأنهم... حملوا الأوطان وانتشروا‏
يرمي الحنينُ بهم في كل موحشةٍ‏
من الدروب... فلا يبدو لهم أثر‏
كم ألبسوا ليلَهمْ قمصانَ غضبتهم‏
وحملّوه الأماني... وهو يعتكر!!‏
تسري بهم فيه أحلام مُضَوَّأَةٌ‏
وردةُ الصبح... خلف الأفق تستتر‏
كأنما لهُمُ خلف الدجى وطرٌ‏
ولا ينامون... حتى يهدأَ الوطر‏
ما أعتمتْ ليلةٌ إلا بصحبتهم‏
ولا أفاق على خطواتهم... قمر‏
يسطّرون بأقلام العلا كتباً‏
ويشعلون بها ما أطفأ "التتر"‏
كم من فتىً أشْرُعتْ فينا طفولَتُهُ‏
بابَ الرجولة.. واستهدْى بها الكِبَرُ!!‏
يقول:‏
"لي موعد ألقى به قَدَرِي‏
فلا أحيد أنا عنه... ولا القدر"‏
أفدي سماء يدٍ ما أورقتْ سُحُباً‏
إلا لينساب منها الخِصْبُ والمطر‏
تُزحْزح الليلَ عنها كلما انتفضتْ‏
غضبى... وأسرج أحضانَ المدى حجر‏
ما لوّحتْ مرةً إلا وخاصرنا‏
في دربنا أمل... أو صّفقتْ بُشُرُ‏
تتلو به سُوَراً للكِبْرِ واعدة‏
كي يستفيق... ووجهُ الذل ينحسر‏
تدنو الأساطير منه كلما ظمئتْ‏
وتستحمْ على شطآنه العُصُرُ‏
تأبّط الثأرَ زاداً... والمنى قدرَاً‏
ففوق أسواره الأوهام تنتحر‏
على تخوم الردى يمشي بلا حذر‏
كأنما... مات فيه الخوف والحذر‏
يظل يسكب ما تسخو الجراح به‏
ليكتسي الرملُ... والتلاّتُ... والشجر‏
تنساب أقمارُها حمراءَ صاخبة‏
حتى يروّي صدى أيامنا نَهَرُ‏
مازال يرشق أستارَ الدجى دمُهُ‏
حتى يصوغ صباحاً وهو ينتثر‏
في كل يوم لنا نعشٌ يسير به‏
مجدٌ... وينهض تاريخ به نضِرُ‏
موشّحٌ بالعلا تمضي الجموعُ به‏
إلى الخلود... ويمشي خلفه القدر‏
ميلادُهُ:‏
ساعةَ الرشاشُ عانقَهُ‏
وعرسُهُ:‏
وهو فوق النعْشُ مُحْتَضَرُ‏
فصامتٌ... تصخب الدنيا بهدأته‏
ومغمضٌ... حار في أجفانه النظر‏
يا من خلعتَ سِوارَ العمر من صِغرٍ‏
لم يتركِ الجودُ ما يسخو به العُمُر!!‏
قم من رمادك كالعنقاء قد نفضَتْ‏
مساحبَ الموت عنها... وهي تُحتضَرُ‏
وازحم بمنكبك العاري "مجنزرة"‏
من صدرها... زفراتُ الحقد تنتشر‏
وارسمْ بشائر فجرٍ نستضيء به‏
نحن الذين ارتدانا البأس... والضجر‏
واحمل جهنَّم زناراً... أليس دنا‏
وقتُ الحساب؟ ففي طياته النُّذُرُ‏
واكتبْ لنا بشهيق الجرح سَطْرَ دمٍ‏
يرشُّ وجه ليالينا... فتستعر‏
هذي الجراحات‏
قد أشرَعْتَ نافذةً‏
إلى الشموس بها... فالليل يندحر‏
تساقط الكفن المغزول من وهَنٍ‏
والصبر عند تخوم اليأس يختمر‏
لا يسمعُ العالم المجنون من خبرٍ‏
إنْ لم يكن بلسان المدفع الخبر‏
فاحملْ صواريك والأمواج عاتيةٌ‏
مرافئ النصر في الآفاق تنتظر‏
جاوزْتَ نفسك حتى لم تعد بطلاً‏
بلِ البطولات فيك اليومُ تُختصر‏
أنتَ "النبيُّ" الذي صارت رسالتُهُ‏
في كفه حجراً...‏
لو ينطق الحجرُ‏
*
24 ـ 10 ـ 200‏