جنون الغياب - طلعت سفر

وقفنا بشرفة أيامنا
نعمِّرُ بالأمنيات قبابْ
ونكتب أحلامنا المترفاتِ
على دفتر الموعد المستطابْ
تحوم فراشاتُها كالسؤال
يهدهد فينا زهورَ الجوابْ
لنا غُدْوةٌ يحتويها الظلامُ
وعند تخوم الصباح إيابْ
يمدُّ أصابَعهُ الحانياتِ
إلى الليل... حتى يزيحَ نِقابْ
ويحْسُرَ عنا وشاحاً تمنّى
وراء خصور الروابي احتجابْ
نعطِّر بالبوح أوقاتَنا
وحيناً نكحِّلها بالعتابْ
ونمشُطُ باللهو صَفْوَ زمانٍ
يمدُّ لنا خُصُلاتٍ عِذابْ
إذا رغبةٌ رنَّقَتْ في النفوس
أتاح لها الحبُّ رَشْفَ الرُّضابْ
نهمُّ بما نبتغيه.. فنصحو
ونرجع عما يريد الشبابْ
* * *
أيا من تُباعُد عن ليلها
وسائدَ حزني وشوقي المذابْ!
لكِ اللهوُ.. والمُتَعُ الوارفاتُ
ولي من غماماتِ عيني انسكابْ
تناءى الحنانُ... ودار الزمانُ
ليزرع أيامنا بالعذابْ
فوشّح أهدابنا بالفراق
وزنَّرَ خَصْرَ الودادِ اكتئابْ
حقولٌ... أدار عليها الخريفُ
مناجله... فاستحالت يَبابْ
كأنا حملنا مقاديرنا
على راحة الحزن.. والاغترابْ
نكفِّن بالسهد أيامنا
ونغسل أجفانها بالسرابْ
تركنا...
ذهولاً على الشرفات
ودمعاً سخيّاً على كل بابْ
تربَّعَ صمتُ الأسى بيننا
فأمسى صباحُ اللقاء ضبابْ
ومزّقتِ أثوابه الزاهياتِ
فحاك لنا الهجرُ هذي الثيابْ
سترتِ بها بسماتِ الوعودِ
وأدلَيْتِ فوق الوصال حجابْ
قتلتِ حضورَ الهوى بيننا
وأشعلْتِ فينا جنونَ الغياب
متى يلثم الهجرُ خدَّ اللقاء
فيصدح شوق وتشدو رغاب؟
وألقى بعينيْكِ
خمرةَ عمري
وأرمي إلى الشكْر صَحْوَ الشبابْ؟
*
6 ـ 2 ـ 2003