ياسيد العِشْقِ - طلعت سفر

مهداة إلى الشاعر الكبير
نزار قباني
*
ماذا أقولُ؟ وتلك الأنجمُ الزُّهُرُ
تعبْن غمزْاً... وناجى ليلَهُ القمرُ
يقُلْنَ: هذا الذي يَنْدى الحديث به
بين العذارى... وينسى نفسَهُ الخَفَر
ماذا أقولُ؟ إذا ما الليلُ.. أرَّقه
بيتٌ من الشعر... حتى ملَّهُ السَّهَرُ
لن يعرف الشعر تشبيباً... ولا غَزَلاً
حتى تدور على أعقابها العُصُرُ
سَرقْتَ تاج الهوى والشعر من زمن
مَنْ قيسُ لُبْنى؟منِ المجنونُ؟
... منْ عُمَرُ؟‍‍
وسالَ من شفتيْكَ الحرفُ متَّئِداً
كأنّه نغمٌ يشدو به وتر
"فالشعر... ليس عباءاتٍ... مطرَّزةً
لا يعتريها بنا طولٌ... ولا قِصَرُ"
"والشعرُ... ليس دُمىً بل دهشةٌ ورؤىً
وطائرٌ ساعداه الشوق والسَّفَر"
"وموعدٌ... لا يجيءُ الواعدون به...
والانتظارُ لآتٍ ليسَ يُنْتَظَر".
ياعاجن الشعر بالألوان... هل شفقٌ
إلا على صفحةٍ "زرقاء"... ينتحر‍‍!!
يسيل كالجدول المنساب من طربٍ
فشاطئاه نديُّ الظلّ... والسَّمَرُ
هنا يُشَمُّ النَّدى في كل فاصلةٍ
والجرْسُ يشربه الوجدان... والنَّظَر
يحلو به العمرُ... والأيام تبسم من
خلف الدموع... ويجلو نفسَهُ الكدر
من ذا رأى النَّبْتَ في أيلولَ...
مُتَّشحاً
بالزهر؟ والثلجَ في تموزَ ينهمر؟!
تأنَّقَتْ صُوَرٌ للحسْن... فامتلأتْ
عيني... وأُذْني... بلى قد تُسْمَعُ الصُّور
والطيّبُ مال على سمعي يحدّثني
عن البراعم... إذ تنمو... وتزدهر...
في راحتيْكَ... مناديلٌ مُبلَّلةُ
وفي جوانحنا... رمضاءُ تستعر
هَدْهِدْ جبينَ أسانا.. نحن لازمنٌ
يجلو هموم مآسينا... ولا قدر
أيا رسول الهوى... إن الهوى ألقٌ
ونحن بالعَتْمة الجَهْلاء... نأتزر
فإنّما أنتَ فجرٌ... تستحمُّ به
كل العيون التي يحيا بها السَّهَر
إنّا حملناكَ... في حِلٍّ... وفي سَفَرٍ
"كتابَ حبٍ" وطاب الحِلُّ..
والسَّفَر
وكم تمَّوَجْتَ هَمْسَاً في سرائرنا
فالحب "معصيةٌ" مازال يسْتَتِر
زرْعت شعرك فينا... أيُّ عاصفةٍ
تلك التي في صدور الناس... تختَمِر!!
أنّى التفتّ.. ترامى طائرٌ... غَرِدُ
وصفَّقَتْ وردةٌ... أو برعمُ عطِر
في كل زاويةٍ تنساب أوعيةٌ
من الندى... ودِنانُ الطيب تنتشر
مثل العصافير... في صدري تهدهدني
ففي مناقيرها الألوانُ.. والصُّور
إنّا لفي ظَمَأٍ للحب... يحملنا
على حريرِ جناحٍ ليس ينكسر
أرى بعينيْكَ أنهاراً... وأوديةً
خضراءَ... لا مثلها وادٍ ولا نَهَرُ
خُضِ الصباح بنا.. وامْسَحْ عماءَتنا
فإنّ بالنور هذا الليل... ينحسر
ياسيد العشق! قد رفَّتْ بلابلُهُ
وكان يُمسَكها الاشفاقُ...
والحذر
تطلَّعَ الحب في عينيْكَ... وانفَتحتْ
أزهارَهُ... فَهو في ساحاتِنا...
...شجر
تشدو الطيورُ عليه كل آونةٍ
ويستريح.. على أفنانهِ القمر
مررتَ بالشام... فارتاحتْ جوانحها
كأنّما أنتَ من أحبابها... خَبَرُ
... رسالةٌ من وراء الأفق... عابقةٌ
بَتْوقِ من حملوا الأوطانَ...
وانتشروا
هاموا.. وهامتْ بهم في الأرضِ أفئدةٌ
يكاد من حرّها.. ينزو بها الشّرر
يظل يبكي هوىً... جفنُ الحنين بهم
فخلف أحداقهم... يستوطنُ المطرُ
*
1982.