غمز الشموس - طلعت سفر

لملمتُ أشواكَ السهاد... بليلةٍ
طافتْ بصمت عيونها الأسرارُ

ماضر... إذْ لبستْ غلائلَ وحشةٍ
لو زيّنتْ أعطافَها الأسمار!

حسَر الصباحُ المستهامُ... ثيابَها
حتى بدتْ لبّاتُها الأسحار

ويكاد مخزوناً... يغادرُ صدرَها
عِقَدٌ... ويتركُ خصرها زُنّار

أومى لها الفجر النديُّ... مودّعاً
ودنت تعاتبه... فدار سِرارُ

جابَتْ أناملُهُ... حرير قميصها
فأطلّ من جيب القميص نهار

وتطلّعتْ زهرُ النجومِ من العُرى
فعيونها من فضةٍ.. أزرار

صَهَل الظلامُ... فأقبلت مختالةً
تشتمُّ أصداء الصهيلِ... مِهار

والبدرُ... معصوبُ الجبين.. مُكَلّلٌ
وبهِ من السفر الطويلِ... دُوَار

كم وشوشته غيمةٌ؛ فكأنما
بين الغيومِ وبينه أسرار

طال السهادُ... فرنّقتْ أجفانَهُ
سِنَةٌ... وداعب وجنتْيهِ خُمار

والْتاع من ظَمأٍ... وألقى نفسه
فحنا عليه الجدول الثرثار

وأنا أُقلب في السماءِ... نواظراً
سكنتْ برحْبِ فضائها الأقمار

تغشى الهموم الشارادات... بيادري
فكأنما... أنا صيفُها المختار

ماهاجرتْ إلا إليّ... ولا انثنتْ
إذ مالها بعد الوقوع... مَطار

أسكنتُها... كبداً على جنباتها
يلهو الزمانُ... ويضحك المقدار

ينسلُّ من صدري الهدوء... إذا بدا
أملٌ... ولاحتْ في المدى أوطار

ونوارسُ الفرح الجميلةٌ... ودّعتْ
شطآن أيامي.. وهنّ حِرارُ

تَعِبٌ... يسافر بي شراعُ خواطري
صوب المدى... وسَنَا النجوم.. منار

أجتازُ خلجاناً به... ومرافئاً
"حيث البحار"... يمدّهنّ بحار"

تحتار بي- وأنا أُطاردُ لهفةً
مجنونة، ومراكبي تحتار

ويحيد بي عنهنّ شوقٌ ناهدٌ
لدبيبهِ بين الضلوع أُوَار

فترنُّ أجراسُ المُحال بِمَسْمَعي
ويلوحُ من ثغر الدجى أنوار

أتسربل الشوق الصبيَّ... إذاطَمَا
بحر الدجى... ودمُ الصباح إزار

هوجُ الرياحِ... ملاعبي... وسُلافتي
ذَوْبُ التمنّي... والحنينُ يَسارُ

لا ينثني غَمْزُ الشموسِ... وكلما
رقصتْ، يشدُّ جناحيَ الأسفار

طُرُقُ... تناغيها الصِعابُ... أخوضها
متبسّماً... والأمنياتُ كبار

تنزاحُ أستارُ الظلامِ... بأعيني
وعلى جبيني يستطيلُ نهار

ودَعْتُ أكوابَ المَلالةِ...حامِلاً
كأسَ المحال.. أدور حيث تُدار

فوسادتي خدُّ التشرُّدِ... والأسى
لُغَتي... ونومُ المقلتيْنِ غِرارُ

ماطابَ عيشٌ... لم يُكحَّلْ بالمنى
أو لم تفِضْ من كأسه الأخطار

غمَّسْتُ بالحلم الجناحَ... فمقلتي
سُهُدُ... وخفقُ جوانحي إعصار

وسكنتُ أجفانَ البروق... فليس لي
رغم الرياح العاصفاتِ... قرار

ماشاقني ظلُّ السكينة... مرةً
إلا اعترتني رعشة ونِفار

طال اغتسالي في محاجِر غربتي
وتناهبتني أبحرٌ... وقِفار

إن هزّني ذكْرُ البيوتِ... فإنّما
لي صحبةٌ تشتاقني... وجوار

بيني ...وبين أحبتي... مجهولةٌ
تبكي... ودون ديارهنّ ديار

عيناكِ... أُنسي في صحارى وحشتي
وهما عشايا الصيفِ... والسُّمّار

تغري رمالُهما مراكبَ صَبْوتي
فأنا وأنتِ الشطُّ والبّحار

عيناكِ... مجذافي... ومرفأ حيرتي
إما ادلهمّ الليلُ... والأقدار

أنا إن تعبتُ... أوانحنى شجَري... فمن
أَلَقِ ابتسامك يزهر الإصرار

أو جفّتِ الأغصانُ من أندائها
يوماً، فأنتِ، ربيعُها المعطار

ما اخترتُ أمجادي... ولون هزائمي
لكنّما.. عيناكِ... ما أختار

مدّي يدّ النُّعْمى... فعصْفُ مواجعي
يَهْدا... وصُلْبُ جدارها يَنْهار

أنا إن عزفْتُ قصائدي... بيد الأسى
فلأن ثغر حبيبتي... قيثار

*

24/6/1998