لا ضفاف للحزن - طلعت سفر

تثاءَبَ الليلُ... واستلقى على عمُري
فلم يَدعْ أُفُقاً... للّهو.. والسَّمرِ
فلا مُلاءَتُهُ السوداء... حائلةً
عنه... ولا ذيلُهُ يلتمُّ في السَّحر
سَها الصباحُ... فلم يرسلْ بشائره؟!
أم أنّه ناءَ من شيْبٍ ومن كِبَرٍ؟!!
لم يصْحُ من وَسَنٍ؟!
أم مسّه رمدٌ؟!
حتى يخبّئُ عينيْهِ عن البشر
يهاجرُ النومُ... أياماً... ويتركني
على وسائدَ... من شوكٍ ومن حجر
صار السهادُ لعيني صاحباً... فلها
في كل يومٍ... نديمٌ بالكؤوسِ.. ثَرِ
تعلّقتْ بجناحيْ طائرٍ... غرِدٍ
يظلّ يزرع خدَّ الأفق بالسَّفَر
قد قبَّلَ الحزنُ أجفاني... وعانقني
ليلي الطويلُ... على أُرجوحة السَّهر
كم جَلْجَلَتْ سُحُبٌ فيها! وكم لَمَعتْ
فرحتُ أغسل وجهَ الليل...
بالمطر
أحزانُ قلبي... بحارٌ لا ضِفافَ لها
لكنَّ أمواجها يلعبْنَ.. بالشرر
تجمعّتْ عَرَباتُ الدهر... وانطلقتْ
بأرض عمري... فلم تتركْ سوى الحُفَر
تشابكتْ حِقَبُ التاريخ في جسدي
فبي مضاربُ من بدوٍ... ومن حَضَرِ
بي مدُّ بحرٍ... وبي صحراءُ واسعة
تدور فيها حكاياتٌ... من الغَجَرَ
أَحْفَى المسيرُ هموماً.... لا تفارقني
أمشي... وتعدو زَرافاتٍ...
... على أَثري
تأوي إلى أضلعي... من كل ناحيةٍ
كأنني كعبةُ الأحزانِ من صِغَري
تأتي إليَّ... بلا وعدٍ... كغانيةٍ
تمضي إلى وصْلِ من تهوى بلا حذَر
كم مرة قبّلتْ خديَّ... والهةً!!
وعانَقَتْني على مرأى من البشر!!
تنام في مضجعي المحموم... عاريةً
وتستريحُ على صدري... بلا خَفَر
عُمِّدْتُ مذ كنتُ طفلاً بين أوديةٍ
بالرّعدِ... بالعَتَماتِ السُّودِ... بالخَطَرِ
زنابق الخوف... ماتتْ فيَّ من زمنٍ
سِيَّانِ عندي أَغنَّى أم بكى قَدَري
عبرتُ في الليل شطَّ العمر... فانكسرتْ
عند العبور... دِنانُ اللهو... والبَّطَر
تساقطتْ كل أوراقي على عَجَلٍ
ولم يزلْ واقفاً عبر المدى...
شَجَري
أبكي عليَّ... فلم أشربْ...
على ظمأٍ
كأساً... ولا سكَنَتْ نفسي...
.. إلى وَطَرٍ
وكم كتبتُ... رسالاتٍ مُطّولةٍ!!
ضمّختُها... بجراح الشوق... والعِبَرِ
ركبتُ... كل قطاراتِ الدنى..هرباً
وفي المحطات... كان الحُزنُ مُنْتَظِري
قيثارةٌ بفؤادي... كلما ارتعشتْ
أروح من وجعٍ... أهتزُّ كالوتر
نيسان... يسكب بعد الهجر... صبْوَتَهُ
فتعلن الأرضُ أشواقاً من الزَّهَر
من همس أقدامه الخضراءِ هَيْنَمَةُ
تغلغلتْ ملءَ سمع الكون... والبصر
كان الحديثُ... خبئَ النّبْتِ بينهما
فازدانَتِ الأرضُ بالأوراق.. والثمرّ
نشوى... تُرقرق بالأطيابِ زينتها
لم يُبق فيها الندى شيئاً من الكدر
في كل عام... تدير الحسنَ لاهيةً
ونحن نخلع أعواماً من الضَّجَر
ليت الربيعُ يُدانيني... فقد ذبلتْ
من وقْع خطْو الليالي زهرةُ العُمُر
تململتْ عينُ من أهوى فما تركتْ
لها يدُ البينِ... والتَّرحال من خَبَر
شبَّتُ براعمُ هذا الحب... وانفتحتْ
على ضفاف النوى... والمدمع العَبِرِ
هل وردةً في براري القلب... ذابلةٌ
إلا زَهَتْ منه... أو مالتْ من السَّكَر‍‍!!
ما رَوَّحَتْني بَليلٌ من منازلها
إلا تنسَّمْتُ ريّا ذيْلها العَطِرِ
تلك العصافيرُ... لو تدري بقصتنا
لسال تغريدُها دمعاً على الشجر
ولو شرحنا الهوى للبدر... لانهمرتْ
دموعهُ... فوقَ صدرِ الليل كالدُّرَر
أرضُ العذاب ترامتْ... أنتِ نافذتي
إلى التخوم التي تنأى عن النَّظَر
أنتِ النبيذُ لِكأسي...
أنتِ نشوتُهُ
أنتِ الجناح إلى الأحلام والصُّوَر
يامن على صدرها.. لي بَعْدُ مُتَّكَأٌ
أدْمَى الحنينُ شفاهَ الوعدِ... فانتظري
ما اخترتُ هجركِ.. إماكنتِ عاتبةً
فليس فيما قضاهُ اللهُ... من خِيَرِ
سلاسلُ من حديد الهجرْ مُحْكَمةٌ
أقصَتْكِ عني... وأدنتني من الغِيَر
مدّي يديْكِ إلى الآفاقِ...
وارتحلي
فأنتِ ماثلةٌ في القلب والنَّظَر
كنجمةٍ فوق سطح الدار ... ساكنةٍ
تظل راقصةً في ليلة السَّمَر
بي لهفةٌ...
في بحارِ الشوقِ.. مبحرةٌ
تطوف بي حيثما شاءَتْ من الجُزر
حملت ساريتي من دون أشرعةٍ
ورحتُ أركزُهَا...
في سُرَّة القمر...
*
20/7/1997