خلف الحدود - طلعت سفر

خواطر جندي على حدود قريته المحتلة
*
من وحشة... حاكَ المساءُ رداءَه
فالتفَّ وجهُ الكون... بالظلُماتِ
أخفى رباً... أرسى شراعُ حنينها
صمتي... وأشعل حزنُها آهاتي
أصبو ... فألمس جرحَها بأصابعي
ويكاد يغرق دمعُها كلماتي
يا غادة! لبستْ معاطفَ خضرةٍ
وازينّت... بجداولٍ مرحات!
كم ذا كتبتِ دفاتراً من فتنةٍ
(وقرأتُ شدو الحسن في الصفحات)!!
في كل يوم تمرحين... بخاطري
وجداً (وتغتسلين في حدقاتي)
تلهو بأيامي رؤاك.. كأنني
ناءٍ... تُنازعه يد الصبّوات
تبدو منازلُك العتيقةُ... والهوى
يقف الحياءُ به على الشرفات
تكسو صباياها النوافذَ ... كلما
ملأ الحنينُ جوانبَ الطرقات
أهفو إليها... والأصيل مطرزٌ
بهديل مزمارٍ... وشدوِِ رعاة
كم أشتهي فيها المغيبَ... وليلةً
تشدو بها الأجفانُ بالنظرات!!
يتجمع السمار في أعطافها
حتى يضيق الليلُ بالسهرات
نفَض الهلالُ بها... لذيذَ نعاسه
حتى يساهر أنجماً خفرات
يدنو... فيفترش السطوحَ... وينثني
حتى يضيءَ اللهوَ في الساحات
يبكي بها جفنُ الصباح... مبلِّلاً
بدموعه... خدَّ النهار الآتي
تعبٌ أنا... لا الليل يخلع ثوبَهُ
عني... ولا صبحٌ يلمّ شتائي
أَتَفيَّأُ الزمن الذليلَ... يعضُّني
وجعي به... وتلوكني مأساتي
سهران.... تزرعني مجامرُ لهفتي
عبر المدى... حقلاً من الرغبات
أشتاق بيتي... والصغارَ... ولم أدعْ
(عند الوداع لهم... سوى قبلاتي)
سأكون مجدهمُ إذا اخترَمَ الردى
صدري... وألقى الصمتَ فوق لهاتي
يستلهمون دمي المضيءَ... منارةً
ويغمِّسون إباءَهُمْ بدواتي
يا غادةً
يصحو بعمق جراحها
عصفُ الإباء... وشهقةُ الثورات!!
ما اهتز صوتُك بالأسى... إلا طغى
ألمي... وفاض الحب بالعبرات
تنقاد أجفاني إليك.. ويكتوي
قلبي... بكل ترابةٍ... وحصاةِ
أسلمتُ شطآن التّرقب لهفتي
وحفرتُ فوق صخورها... أنّاتي
أغفو بأجفانٍ يشرّد نومها
نبْضُ العلا المزروعُ في جنَباتي
ما جئت قصدكِ... كي أبثَّكِ لوعتي
لكنْ... ليشتعل المدى برفاتي
أنا ما لبستُ على تخومك نخوتي
إلا ... لأخلع فوقها سنواتي
صلّيت معتنقاً ثراك... ونافضاً
عني غبار اليأس... والحسرات
أشتم أطياب التراب... وفي يدي
بارودتي...
أتلو بها صلواتي
ملقىً بها... والموتُ يملأ خصرَها
في بحر هذا الليل... كالمرساة
تحيا معي كحبيبةٍ... أشكو لها
كلفَي بها... وأبثُّها رغباتي
تحتلُّ أحضاني... فيدفئ صدرها
قلبي... ويحصي سمعُها خفقاتي
أحمي بها وطناً... تباعد شمله
حتى غدا منفى لكل شتات
تهتز كالسيف الحبيس بجفنه
شوقاً... لكي تغفو على وجناتي
لو تستطيع...
لأسرَجَتْ زفراتُها
جنبَاتِ هذا الكون... بالطعنات
ما بال هذا الموت يهدر صاخباً
بيني وبين مشارف التّلات!!
سأخوضه... حتى يسربل مهجتي
أو تنثني عيناه... عن عزماتي
بيني وبين الغاصبين... مسافةٌ
تاقت إلى تقبيلها خطواتي
كم أومأتْ... حتى أعانق جرحها
وأمدَّ فوق بساطها أوقاتي
إنا ـ إذا آن الأوان.. وجدتنا
نلتف مثل الليل... بالربوات
يأتي الزمان المستطاب... وتعتلي
صيحاتُنا... سرْجَ الزمان الآتي
بيني وبين المجد... لمسةُ إصبعٍ
حتى تبدّد شمسُهُ عَتَماتي
يُرْخي على ظمأى التلال... صهيلَهُ
غضبي... وتغسل ليلَها طلقاتي
وتمدّ شمسُ النصر... شالَ ضيائها
كي يستحمّ به دمُ الرايات
لي وقفة محتومةٌ ... أمشي بها
صوب الخلود... على خُطا ميقاتي
أقدمتُ... حتى لم أشارفْ موضعاً
إلا اشرأبّ... ملّوحاً بمماتي
هتك الرصاصُ دمي... ومزّق أضلعي
فنثرْتُ... فوق ربوعها أشتاتي
*
31/12/2001