لأني مؤمن بالشعر - طلعت سفر

لأني مؤمن بنبيَّه...‏
عمدتُ أوراقي بقدس لهيبه‏
ونذرتُ أوقاتي لحمل صليبه‏
مذ لوّحتْ شمسُ الشباب وهاد أيامي‏
وبرعمتِ الربا شوقا‏
وقد علَّقْتُ أحلامي على أهداب عينيه‏
لكي أشقى‏
وأمشي في البراري البيض.. تحت لوائه السامي‏
فازرعها بأفراحي وآلامي‏
لكي تبقى‏
لأن الشعر مولود معي‏
"لفته قابلتي بأهدامي"‏
ومازالت ضفائره على الأوراق تنسدل‏
لأن الشعر يسكن في مساماتي‏
ويلبس رقصة النبض‏
يزغرد في صباحاتي وأمسيتي‏
ويسهر في ليالي الحب مشتاقاً‏
وفي محرابه القدسي يبتهل‏
لأن الشعر ندماني‏
ويمشُط شعر أحزاني‏
يسافر بين أجفاني‏
ويسرق هدأة الغمض‏
يدلِّل طفل أحلامي.. ويكبر عنده الأمل‏
وأشرب نخبه حيناً أباريقاً من الياس‏
يكاد يشم من يدنو روائحه بأنفاسي‏
ويحبو مثل عاشقة على أعتاب إحساسي‏
له عينان من سهر... وأسهر بين عينيه‏
ومن وجعٍ‏
أصوغ لحونَه السكرى‏
وألقيها إلى الناس‏
(2)‏
تعبتُ...‏
ولم أزل أجري على الصفحات من شوق ومن ألم...‏
كأني حامل نيسان في قلمي‏
وأرقص فوقها طرباً.. فلا أهدا.. ولا يهدا‏
وأزرع فوقها الصُّبارَ... والوردا‏
وأصرخ كلما آنست من يهفو ويسمعني‏
أناديه بملء فمي‏
أطوف به على الأحبابِ...‏
معتمداً تواشيحاً... وزركشةً تزين جوانب الكَلِم‏
بجرح القلب أكتبه... بقلب الجرح يكتبني‏
يمر بكل جارحة... مرورَ البرق في السحب‏
حنيناً صارخاً وهوىً...‏
لتهدأ نارُهُ الحرى على الأوراق كالشهب‏
فجمْرُ حروفها من مهجتي مِزقُ‏
سأجمع كل أوارقي وأنثرها ولا أدري‏
أتزهر في صدور الناس؟ أم تذوي وتحترق؟!‏
لعل رماده المنثور في الآفاق لا يفنى ويجتمع‏
ويطلع من ثناياه صباحاً في عيون الناس يأتلق‏
(3)‏
إلام...‏
أهز أعمدةً (بهم) وأدق جدران القبور...؟‏
أطرتُ أسراب الكلام فلم تجد سمعاً إلى أحضانه تأوي‏
أهم موتى؟ فلا سمع... ولا بصر‏
أم السأم المتوَّجُ عند كل الناس.. والضجر؟‏
ترى‏
أم أنها الأحلام تنتحر؟‏
لقد كذبتْ تصاوير الطفولة.. والترحُّلُ صار أجدى لي.‏
ولو خُيِّرْتُ لم أختْر سوى نتفٍ من الأشعار أحملها إلى المنفى‏
أُزّين صدر أوقاتي.. وأقتل وحشة العمر الذي أحيا‏
سأقصد غربتي يوماً.. لعلي ألتقي أحدا‏
أنادمه رحيق خواطري الحيرى..‏
أبادله أحاسيسي‏
وأرسم توق عينيه...‏
وأفرط عقد أحزاني على أدراج كفيه‏
لعل بذوري الظمأى.. تُسَنْبِلُ عنده رغدا‏
وداعاً يا أعزائي... وداعاً‏
إنني راحل‏
*
10/3/2001‏