بحمد الله خلاق الوجود - عبد الغني النابلسي

بحمد الله خلاق الوجود
توالى كل إنعام وجود

وبالشكر الذي من كل شي
تمتع كل شي بالشهود

ولكن للظهور تنوعات
بها خرج البطون عن القيود

فسبحان المهيمن جل ربي
وعز عن المعاني والحدود

وما زالت صلاة الله مني
تفوح مع السلام بعرف عود

على المختار من بين البرايا
سليل الأكرمين من الجدود

محمد الذي بالحق ساعي
إلى الغارات خفاق البنود

كذا مع آله والصحب طرا
على أمد الزمان بلا نفود

وبعد فإن تقوى الله زاد
لأهل السير في طرق السعود

وتلك مراتب لم يخل عنها
أولو الإسلام من كل الجنود

فتقوى العام من شرك وكفر
وأعمال من الطغيان سود

وتقوى الخاص من كل المعاصي جميعا مع محافظة الحدود
...

فمن لم يتق شركا وكفرا
فعن تقوى المعاصي في صدود

وترك الذنب ليس بطاعة من
ذوي الشرك المهيئ للخلود

لأن الشرك لم يغفره ربي
له نار غدا ذات الوقود

وكل عبادة فالشرط فيها
هو الإسلام حفظا للعهود

ومن لم يتق هذا هذا
حميعا ما تنبه من رقود

فكيف عن السوى تقواه ترجو
ولم تخرج سيوف من غمود

وأول رتبة تقوى عوام البرية
في القيام وفي القعود

وذاك أهم للإسلام فيما
نراه من النصيحة للوفود

لأن النفس كاذبة ويخفى
عليها الشرك في طي الجلود

وتجحده إذا عرفته حتى
تزيد الوصل في خلف الوعود

وقال الله في القرآن إلا
وهم أي مشركون من الجحود

وجاء الشرك أخفى من دبيب
لنمل في الحديث عن النقود

وللشرك إنقسام منه قسم
جلي في النصارى واليهود

وقسم في ذوي الإيمان خاف
عن الساهي من العبد الكنود

وذلك في العوام لترك تقوى
ذكرناها لهم في ذي العقود

فمن يعمل بتقواهم ويمشي
عليها في الركوع وفي السجود

كفته عن الطريق بلا التفات
إلى تقوى الخواص ولا صعود

فإن الاشتغال بترك ذنب
كفعل الذنب حجب عن ورود

ولا نعني الهجوم على المعاصي
وترك الخوف مثل أولي الجحود

ولكن كل مرتبة يؤدى
لها حق على رغم الحسود

فحقك في عمومك ذا وذا في
خصوصك عند أرباب السعود

وكن يا أيها الإنسان فيما
عملت من البطون إلى اللحود

وهذا النصح مني للبرايا
به يستيقظون من الهجود

وغير الله في الدنيا غرور
وليس يدوم ظل مع عمود

وقد خص الإله رجال صدق
بما قد خص من كرم وجود

لهم قدم الرسوخ على المعالي
تراهم في المرابض كالأسود

وكل قد أجاز لمن سواه
على الترتيب في أخذ العهود

إلى هذا المجاز حباه ربي
بأنواع الفتوح بلا سدود

وقواه على فهم المعاني
وأرشده إلى طرق الشهود

ومن عبد الغني نظام عقد
بسلك الدر من أبهى العقود

على جيد الإجازة قد أضاءت
به نار الهدى بعد الخمود

يروم به من المولى قبولا
لديه في الصدور وفي الورود