يا عابدا ربا بتصويره - عبد الغني النابلسي

يا عابدا ربا بتصويره
وعقله من تحت تسخيره

يفهم شيئا ويظن الذي
يفهمه الله بتسطيره

خالقك الله بلا شبهة
وخالق العقل وتصويره

من لم يكن يعجز عن علمه
بربه فاه بتغييره

فإن ما في عقله كله
خلق له من بعض تأثيره

يا قانعا بالعقل في ربه
ما ثم فيه غير تقديره

وإنك المحجوب عنه بما
تخيلته النفس من غيره

تظن أن الله ذاك الذي
عقلته تلجأ إلى خيره

هيهات هيهات فيا ويح من
يعبد مفهوما بتدبيره

يدعوه في سر وجهر ولن
يجيبه في حال تعسيره

لأنه في عجزه مثله
خلق عليه وسم تحقيره

يجله وهو له خاضع
معترف عنه بتقصيره

وكل هذا حاصل منه في
صورة معنى مثل تعبيره

ما عنده الإيمان بالغيب كي
يزول تنجيس بتطهيره

ويعرف الله القديم الذي
ما مثله شيء بتطويره

والله حق والسوى باطل
فاحذر من العقل وتزويره

واثبت على الشرع وما جاء من
أحكامه تظفر بتنويره

وافهم من القرآن مستدركا
ما خرب العقل بتعميره

واقبل على الغيب وكن واثقا
به وخف من حكم تدميره

واقطع بعجز الكل عن دركه
واهرب من العقل وتحكيره

عجبت ممن يترك الفهم في القرآن
لا يلوي لتفسيره

ليعرف الرب به وهولا
ينهى عن العقل وتفكيره

تراه يخشى الفهم في آية القرآن
تلقيه لتكفيره

ولا يخاف العقل يطغى به
كأنه يقضي بتوقيره

فافهم كتاب الله واحكم بما
فيه على الأدنى وقطميره

واضرع إلى ربك ترجوه في
تهليله حقا وتكبيره

وإن أراك الله فضل امرىء
من كامل الدنيا وتحريره

فثق به واركن إلى قوله
واعكف على تكرار هجيره

واشممم شذا الروض من نفسه
وعش به واقنع بتعطيره