الحيارى - عبدالناصرحداد

كانوا بقايا بشر محنّطين بأفواه معدنية
وسواعد من زجاج،
عيونهم على مدى بعيد،
وأرجلهم في الطين إلى الركاب .
فرقاً كانوا، نبلاء، تجاراً، وعامة..
ورجالاً كوحوش مؤنسنة. نساء تقطر أجفانهنّ نبيذاً
وعناقيد لؤلؤ ومرايا. وصبايا
مورقات شمخت رماناتهن ينتظرن
الفاتحين من جزر متخيلة على أحصنة بيضاء
حاملين مهوراً.
وشيوخاً كانوا.. أشباحاً، ألواحاً، موتى،..،..
وثمة أطفال بظهور مقوَّسة وشعور بيضاء تشقّقت شفاههم
وتقذت العيون رافعون
أكفهم فاغرين. وسماء تذرف الغبار
على الهامات،
غبار يغلف العيون والساحات عيون تصبّ وحولاً..
وحيارى كانوا.. حيارى..
رحلت طيورهم بلا حناجر، ونامت أشجارهم شاحبة
على أكداس جثث ورميم، حيارى في
ظلامات جُمّعت فوق بعض
ومتاهات مزمنة ومشاهد مشوهة
وأشياءَ أخرى..
حيارى..
وأرسلت قلبي يقلّبهم واحداً واحداً
ميّتين
ومستموتين
بما يبطنون وما يظهرون
وفي هيئة المتقزّز
أقدم قلبي يقلبهم واحداً واحداً
ميتينَ
ومستموتينَ
فعاد برائحة الموت، غلّفته بالتراب، كأني أواريهِ
أو كالـ كأني أمارس موتاً يعيد الحياة إلى بدئها
ويكمّل دورتها البائسة
أمارس موتي مراراً، أكرّره، وأجدّد قلبي..
ولست الوحيد الذي يتقن اللعبة الفاشلةْ
ككل الحيارى
تلبّسهم شبح الموت لا يبلغون ذرى الهاويةْ
ولا هم إلى ذاتهم يرجعونْ..
نعيد الدروب إلى دربها
ونُسْلِكها مسلكاً شائكا
فتنأى المسارات عن سيرنا
وتنحو بنا منحنىً منهِكا
كأنّا خُلقنا فقط للضياعِ
فأضحت متاهاتنا مَهْلكا
أقول وفي القلب غصّاتهُ
ولم يبق إلا الردى مُتَّكا:
نموت ونحيا سواءٌ، فإنّا
على الحالتين بكانا البُكَا