من ذاكرة الصقيع - علاء الدين عبد المولى

وأقرعُ أبوابَ الشِّتاء لعلَّني
أرى جمرةَ الأشياءِ خَلْف جليدِها

وأسكنُ أبعاداً تغيّمُ، حالماً
بأرضٍ أُوافي ظامئاتِ ورودها

لمن هذه الأجراسُ تُقَرعُ في المدى
وتجرحُ من نوحٍ صليبَ وريدها؟

مؤلَّفةٌ هذي المسافاتُ، ثرَّةٌ
بما يجمعُ العشَّاقَ بين حدودها

أرى ما أرى... لكنَّ غيمةَ جبهتي
تردّ على بَوْحي بثلجٍ صدودها

فما أقربَ الأشباح منّي، تلفنّي
بوعدٍ... أما أفرغتُ كأسَ وعودها؟

أمرُّ بها، تنسى ركوعيَ خلفها
وتشعلني نجماً للَيْل سجودها

هي القبّة الجنسيّةُ احتشدَتْ دماً
لينفجرَ الينبوع بين نهودها

من الظّمَأ العالي هبطتُ مسلمّا
على الأرضِ تنأى في منافي جنودها

بكلِّ غناءِ الثَّلج تشرينُ ضمنَّي
كأنَّه أمٌّ فوق قبر وليدها

وتختلطُ الأشياء: ثلجٌ/ جنازةٌ
ويتمُ تجلَّى في مقامِ شهودها

بياضٌ هيَ الأشياء، أسرى نقائِها
مقيَّدةٌ باللَّونِ، نشوى قيودِها

ووحدي استوى فيَّ الصَّقيعُ وعرشُه
تمدّد في الأعضاءِ فوق وقودها

طغتْ واستبدَّتْ بي الشِّتاءاتُ، أنحني
كأنّي ضبابٌ راقصٌ لنشيدِها

هوْت هوّةٌ الذِّكرى بروحي فهزَّني
عواءٌ سحيق من ذئابِ جرودها

هرعتُ وراءَ النَّائيات أحلُّ في
مداها شهيداً.... يا ضياعَ شهيدها

أذاتي ترامَتْ في الوجود كخمرةٍ
سكرتُ بها من قبلِ صَحْوِ وجودها؟

أشعُّ على الأمداء قطباً تؤمُّهُ
لغاتُ انسيابٍ أزهرتْ في جمودها

معاجمُ حزنٍ بين عينيَّ شُرَّعٌ
تقرّبُ من قلبي بروجَ بعيدها

أضجُّ بمعنى النَّار، كلُّ قصيدة
تفيق بقلبي من منامِ رقودها

ولكنَّ صَوْتَ البرد يعلو طفولتي
فتقطرُ دمعاً من شحوبِ خدودها

أسائلُ جمْعَ المستباحات عن دمي
أتقرأ فيه الأرضُ سِفْرَ خلودها؟

سلامي لأرض الشِّعر تَطْوي جماجمي
فتجعلُها المأساةُ قوتاً لدودِها

صلبت بغابات القصيدة غفلة
فضاعَ هديلي في زئير أسودها

سلامي لوجهي مستبدّاً وعادلاً
بأرضٍ ينام العقمُ فوق مهودها

سلامي لصحراءِ الأناِم تطيح بي
معادنُها في يابساتِ نجودها

أؤذِّن في شرق البلاد، أعيدُها
إلى ملكوتٍ أسودٍ من عهودها

فيستيقظُ "الحجَّاج" قاطفاً الذُّرى
ويستنطقُ "المأمونُ "قبر" رشيدها"

هي الأمّة السُّفلى يعيِّدُ بَعْضُها
وتمشي بقاياها بجنّاز عيدها

... وأقرعُ أبوابَ الشِّتاء بجثّتي
وتأكل منّي الأرضُ خبز جليدها...

__________

28/11/1992