المتنبي - علاء الدين عبد المولى

غريبٌ روحُكَ العالي غريبُ
يناديه التّفرّدُ، يستجيبُ

وما كنتَ الغريبَ لفَقْدِ أهل
ولا عافَتْكَ من ملَلٍ قلوبُ

ولكنَّ الفضاءَ عليكَ قيدُ
ووحدَهُ أفقُ رؤياكَ الرَّحيب

على قلقٍ تهاجر، لا إيابٌ،
وكيف يؤوبُ مَنْ فيه الدّروبُ؟

بنفسٍ نطفةُ الميلادِ فيها
يباركها ربيعٌ لا يشيبُ

وفي عينيكَ أسرارٌ غَوافٍ
يضيءُ بنور مشرقها الغروبُ...

حبيبي سوف تطوينا الفيافي
ويكتمُ نارَنا الصّمتُ الرّهيبُ

((فليتَ هوى الأحبَّة كان عَدْلاً))
إذنْ، لتساقطَتْ عنَّا الذّنوبُ

((ولكنْ لا سبيلَ إلى وصالٍ))
وأهلُ الوصل لَيْس لهمْ نصيبُ

ويبقى الحبّ قدسيَّ الخطايا
يتوب المذنبون، ولا نتوبُ...

يديكَ يديكَ يا جدّي أغثني
فذاكرتي تضجّ بها الحروب

دماغي جُنَّ منشطراً... حبيبٌ
يلوّثُ طُهْرَ مخدعِهِ حبيبُ؟

هم الأعرابُ يا جدّي استجاروا
بجيش الروم... وابتدأ الهروبُ

((ولكنّ الفتى العربيَّ)) فينا
غريبٌ، آه يا جدّي، غريبُ...

وسيف الدّولة الذهبيّ أرخى
يديه للفراغِ... فما يُصيب

وأرحامُ النّساء هنا كهوفٌ
فلا شمسٌ، ولا مطر خصيبُ

فيا ربَّ القوافي شارداتٍ
أنادي... مَنْ أنادي؟ من يجيبُ؟

أنا الطفلُ العجوزُ أتاك يبكي
ويضحك من فجيعتِه المشيبُ

يتيم الأرض، أُنْسَبُ للمنافي
وجذرُ الرّوح عن روحي يغيبُ

تسلِّمني البلادُ إلى سواها
كأنّي كائنٌ هُجْنٌ عجيبُ

يديكَ يديكَ يا جدّي أغثني
ووحدَك من متاهاتي قريبُ

أنا بجلالكَ العربيِّ فَرعٌ
تطيبُ به السّلالةُ إذ يطيبُ

نشيدُكَ عالِقٌ بدمي. كأنَّا
زواجُ الجمرِ يُذْكيه اللَّهيبُ

قتلتُ هنا، انتفضتُ هنا، كأنِّي
شموعُ الوقتِ... لكن لا تذوبُ

إذا ضاقت على سفَري بلادٌ
فإنّي بين أوردتي أجوبُ

أجوب الأرضَ... من فوقي زمانٌ
ومِن تحتي... أنا الرّيحُ الهَبوبُ

أتيه مع الضَّلال، ويشتهيني
هُدايَ، وليس مَنْ مثلي يثوبُ

وأغنيتي بخمر الخلد نَشوى:
- أنا فردٌ ولكنّي شعوبُ...