المغني يستعيد قيثارة الجحيم - علاء الدين عبد المولى

كان لابدَّ من الرّحلة في تيهِ الخطى،
حتّى يعود الرّوح أنقى
كلما جئت إليكِ انسفحَ الفستقُ في كفَّيَّ
وانداحت بأعماقي قرابينُ
ونُوديتُ من المجهول: رِفقا
كان لابدَّ من الهجرة عن بحركِ كي أزداد عمقا،
تستعيدين مرايا العري؟
أم تُلْقين من منبر نهديكِ خطابَ اللَّوز والسّكَّر،
والمعبدُ -قلبي- ذابَ في الإيمان إلحاداً وعشقا
يتردَّى اليأسُ عن ركبتكِ الورديَّةِ البوح،
ويُرْديني رداءُ النَّومِ مصروعاً على أول كأسٍ
مخمليِّ الرغباتْ
أتلقَّاك بصمتِ المُطْرق الهاجِر أهلَهْ
افتحي صدرك للممطرِ في قُدْسِ رعود الشَّهواتْ
وطناً منسرب الفخذَيْن
ملموماً على عكّازه،
لكنّهُ ينهضُ في ليلٍ من الخمرِ
يصلّي في صفوف من نباتْ
يقتدي بالجسدِ النَّيِّر، ينأى عن سياج الظّلماتْ
يرتدي عريك ياسيّدةً
شعَّتْ كياقوت الرّؤى
وانتبذَتْ شرقاً فناداها مُنادي القمح ألاَّ تحزني
قد جعلَ العاشقُ من تحتكِ فردوساً
كُلي وانفرطي عنقودَ موتٍ وحَياةْ....
عَدَمٌ أَمْ لذَّةٌ بيضاْءُ هذا الجَسَدُ؟
وإذا أُلْقِيَ فوقي كوكبٌ
تنطفئُ الأعضاء أَمْ تتَّقدُ؟
ليس بي إلاّ دياجير سؤالٍ تتخفَّى بظلالٍ
وأنا شبهُ ابتهالٍ
يتوارى في خطايَ الأبَدُ...
تستعيدينَ نطافَ الخَلْق من معجزةٍ ما
وتشقّينَ بناي اللّيل قلبي فأسيلْ
نهرَ ماسٍ يتهادى فوقَهُ مركبُ جنسٍ سلسبيلْ
يشربُ العاشقُ والآبِقُ منه
وأنا مجتمِعٌ مفَترِقٌ
وأنا المأسورُ والمطْلَقُ
والقاتلُ والعبدُ القتيلْ
شرَّفَتْ ريحي ووافَتْكِ، فأهلاً بيَ،
ياناريّةَ الفضّةِ يا ((مستقبلَ العالَم))
ياليلاً بلا ليلٍ، وياميعادَ ضوءٍ شهرزاديِّ الشُّعاعْ
خانَكِ الوقتُ فلا تنتظريني
جسدي يَتْلَفُ بالحبّ بطيئاً
ويهرُّ الزّهرَ عن أكتافِهِ
يستجمعُ الوقتَ المشاعْ
لكِ ماشئتِ فإن شئتِ أتيتِ الآن
أو بعد انقلابين بنهديكِ
وإن شئتِ استقيلي من ندائي
أنا ماعدتُ بنهديكِ اُبالي
بعد أن أغلقتِ عنَّي بابَكِ العالي
وأُقْصِيتُ بلاوجهٍ وسمَّاني الضَّياعْ،
باسمِهِ المُفْرَدِ... ماعدتُ أبالي:
سجَدَ الكونُ لفخذيكِ، أمِ اغتالهما ذاتَ سفَرْ
أنا كم أحرقتُ من شمعٍ على بابكِ
كم أطلقتُ من نجمٍ وشعشَعْتُ قَمَرْ
كم سماءٍ كنت أبنيها لأحمي عريكِ الطّفلَ
من الرّيح ولعْنات المطرْ
كم فضاءٍ رحتُ أرميه بعيداً
لتمدّي فيه سجّادتكِ الجنسيّةَ النَّقشِ الَّتي
ترقصُ في أطرافها حتَّى الصُّوَرْ
هل أتاكِ الآن عهدٌ آخرٌ
آليتُ فيه أن أذيبَ الأرضَ كالشَّمعةِ في عيدٍ
وأغتالَ إله الشِّعر في رأسي
وأُطْوى في حَجَرْ
لاتقولي غاضَ نبعٌ وذوى غصنُ شَرَرْ
فأنا الخالقُ، من خَلْقي تولاَّني ضَجَرْ....
تستعيدين نطافَ الخَلْق؟
أم يسترجع الشَّاعر قيثارتَهُ الزَّرقاءَ؟
كانت لعنةً حلّتْ بنا
ضيّعَنَا فيها الصّغارْ
وهوى جوهرُ روحَيْنا على أقدامِ من ينسجُ لي ثوبَ الغبارْ
كيف أُغلقتِ عليَّ البابَ؟
كيف ارتكبَ الفجرُ خطاياه
وأفرغتِ قناديل النَّهارْ،
من كلام الضَّوء؟
كيف انقسمَ الواحدُ ضدَّين؟
وأخفيتِ أغانيَّ وساومتِ عليّ
آه كم لم تتقني لحنَ الخرابْ
عندما ضيّعتُ فيكِ الرّيحَ والعمرَ، وميراثَ أبي والروحَ،
والنّومَ الشّتَائيَّ أمامَ الموقد الموحش،
إذا كانت يدي تكتشفُ الكون بأنوار النّبيّ
يا خسارات ترامَتْ خلف ظهري
حين وازنتُ بكِ العالمَ...
ماللحلوة الآن تُوازيني بقشَّهْ؟
لستِ من يحفرُ لي قبراً
هو العالَمُ جَمْعاً مَنْ تولَّى قَتْلَ هذا الشَّاعر المطرود
منذ البدء حتّى يحمل العالَمُ نعشَهْ
تستعيدينَ نطاف الخَلْق أم ألعوبةَ الأنثى؟
أضيفي أنَّ قلبي خشَبُ
عَمَّ فيه السّوسُ، لايزكو ولايلتهبُ
وأنا الكائنُ، في خرقةِ ضوءٍ قد رمتها العَرَبُ
حلميَ الموقدُ من زيتٍ بدائي
فلا عمّدهُ السّيّدُ في جرن إلهيٍّ
ولاصلّى لوجه القبّة الخضراء
بل ظلَّ نقيّاً
يشتهيه المؤمنونْ.
كائنٌ ليس يكونْ
لملمتْهُ ثلّةُ العشّاقِ في هجرتِهِ
أطعَمَهُ بعضُ رفاقٍ من حناياهم
فغنّاهم وغطَّاهمْ بروحانيّة النَّبضِ
وأزهارِ الجنونْ
كائنٌ ليس يكونْ
ويرى في الأرض سِحْراً لايراه السَّاحرونْ....
((سكنَ اللَّيلُ وفي ثوب السّكونْ))
وجهيَ الآخَرُ والسَّاهرُ في ناقوس أحلام تنوسْ
ماتهيأتُ لأحسو ليلةَ الجمعة من خمر المجونْ
إنّما السّكْرُ يوافيني بلا قَرْعِ كؤوسْ
وسُكارى الكأس ماهُمْ بسُكارى إنما هم نائمونْ
وأنا أصعدُ من ليلتهم وحدي
دمائي كسرَتْ آنيةَ الظّلمةِ ثم امتلأتْ
بيقينٍ من شموسْ
ورأيتُ النّفسَ في جنبيَّ شعباً من نفوسْ
فهوْتْ قامةُ أحلامي على أرضٍ حطامْ
ورمى الموتُ على طقس شتاءاتي خريفاً من سلامْ.
_________
24/2/1994