شَعرُ الغياب طويل - علاء الدين عبد المولى

(1)‏
خوفي عليكِ وأنت طيّبةٌ،‏
تشدّ رداءكِ الروحيَّ كفُّ مدينةٍ فجَرَتْ بنا..‏
تطوي عليك ذراعَها السّوداءَ‏
يا صوتَ القرنفل في الغناءْ‏
خوفي عليك حمامتي البيضاءَ أن تنسيْ بأنَّ دمي: دمي.‏
فتُحلِّقي قبل الغروب على منازل قاسيون‏
وتسقطي بين الحجارة جرّةً عطريّةً...‏
أتبعثرين هدوءكِ النّبويَّ في طاحونةٍ؟‏
أم تشرقين من اللّغات نبيلةً‏
وتودّعين جموع مَنْ وقفوا فما عرفوا سواكِ؟‏
بيديك نهرُ مشيئتي يجري، زوارقُ صَبْوتي‏
تمضي، ومن عسلٍ تعودُ بحمْلِها السّكران.../‏
طوَّافٌ أنا في قاعكِ الأبديِّ ألمسُ عشبةَ الحرمانِ...‏
(آدمُ) ليس يكفيني ليشرحني،‏
فأنتِِ جميعُ أضلاعي‏
وأنتِ جزيرةُ الكنز الَّتي تنداحُ حول حدودها‏
الأسفارُ...‏
سيَّدتي‏
ولي في صدركِ الخلاَّق ألواحٌ‏
بنار يدي مدوَّنَةٌ‏
وفي عينيك نافذتان من ماسٍ يشعّ‏
فأرتقي مهراً يعلّمني الفضاءْ‏
(2)‏
ما أطول الأشجارَ، والأيدي قصيرَهْ‏
وحدائقي بمقاعدٍ هَجَرَتْ مخيّلةَ العناقْ‏
لا الفجرُ يمنحني هنا إيقاعه‏
والطَّاولاتُ رمتْ عليها الرّيحُ أوراقاً فقيرَهْ‏
ولدت بلا شجرٍ عظيمٍ...‏
... كمْ من الفخّار يجلسُ في اكتئابٍ فوق قَلْبي؟‏
... كمْ من الخطواتِ لم أسمَعْ صدى قدميكِ فيها؟‏
ماذا تقول الأرضُ حين يغيبُ عنها عاشقوها؟‏
ماذا تغنّي الدَّائرهْ‏
وضلوعها حجَرٌ‏
ومركزُ وَجْدِها ضجرٌ‏
وموتى ساكنوها؟‏
(3)‏
من أين تسقطُ دعوة المنفى على هاماتنا؟‏
منذا ينقّب في كهوف الصَّمت قربي؟‏
يُخرجُ الظَّلمات منّي رافعاً‏
لوحاتِ وجدي من غبار الذّاكرهْ؟‏
منذا... سوى امرأةٍ قديرٌ رمزُها‏
ولها يدٌ نشوى بفَتْح مغارةِ الجنس المضيئةْ؟‏
منذ يفكُّ لباسَ غاباتي ويُفرج عن وحوشي‏
وكتابيَ الحجريُّ أتخمَهُ الفراغْ‏
شَعرُ الغياب يطولُ...‏
كيف فراشتي البيضاءُ؟‏
ماذا تهمس الظّلمات تحت ثيابها؟‏
ووراء أي لهيب حافلةٍ تراقبُ ضجّةَ الطُّرقاتِ؟‏
هل تقسو عليها شمسُ أسئلتي؟‏
وهل (بردى) يغذّي في خلاياها‏
نباتَ الشَّهوة الممتدّ عبر رخامها الجنسيِّ‏
مثل شقائق الرَّغباتِ؟‏
تلك إمارة الحبّ المنيرَهْ‏
وأنا أميرُ الصَّولجان الحرّ بين يديكِ‏
نَحْكُمُ في أراضٍ من حريرْ‏
نمشي فيدفعنا الهواءُ إلى الهواءْ‏
ونقصّ شَعْرَ غيابنا بِيَدِ الغناءْ...‏
___________
25/أيار/ 1996‏