وصـال - علاء الدين عبد المولى

أنا ماجفوتُكَ مُذْ عرفتُكَ، مُثْقَلاً بعطاءِ مائِكَ،
مُلْهماً كفَّيَّ نَجْمَ الرَّقْصةِ الزّرقاء في نَسقٍ منغَّمْ
ليميلَ رأسُ اللَّيل مخموراً،
وتنضجَ في دمي تفّاحة الإثم المحرَّمْ
أنا ماقطفتُ براعمَ البستان تسطعُ من خلال ضباب صدرِكَ
ماقَطفتْ ولاقُطفتُ،
وملَّ إيقاعُ الرَّماد سريَرُه الناريَّ
غنّيتُ البدايةَ واحترقتُ مع النّهاية
لم أكلّم وجهكَ المخبوءَ فيَّ، وماتكلَّمْ...
كيف انتمينا للخواء معاً
فتحنا للغبار عيوننا
وازّيّنَتْ أعماقُنا ورداً يمرّ الصَّيفُ بين يديه
مقفرةٌ عرائشُهُ، وبرجُ سمائِهِ الأولى محطَّمْ
أتعودُ ذاكرةٌ موزّعةٌ على أحجار تلك الدّار
نشربُ قهوةً ونصبّ في أقداحنا الأقمارَ
يَدْفْقُ من أصابعنا بريقُ التّوت والحبُّ الملعثَمْ
أتعودُ... ياجسداً حشائشُ إبطِهِ اشتعلَتْ بأنفاسي،
أَساورُهُ ترنّ بليلِ شرياني، تقدَّمْ
أنا ماجفوتُكَ، هذه كتبي ومحبرةُ الدّماء
تسيلُ رعباً فوضويّاً،
كيف أَنْظِمُ مايبعثرهُ النَّشيدُ، وكيف أُنْظِمْ؟
مولاي أنتَ
أأكونُ عبداً للَّذي مولاه أنتَ؟
أهلاً بهذا الصَّيف يعلن لعنةَ الأشجار
يسرقُ نهرَنا ويبيعُ رمّانَ الولادة للغريبْ
وأنا قريبٌ من لآلئِهِ، أعيّدُ خلف شبّاكٍ يئنّ وتنحني أطرافُه
بستانُكَ السّريُّ لايأتي ولايمشي معي صفصافُه
أنا خُضَرةً فيه وأنتَ جفافُه
أنتَ البلوغُ المنتهي في خطوةٍ واللاّبلوغُ أنا، أنا عَرَّافُهُ
...
ممَّنْ تخافُ إذن؟ وهل يبقى أمامَ المهد عطرٌ لم يضئْ؟
مولاي أنتَ... قيمصُكَ الصّيفيّ يشعلني
ونهايةٌ بخريفها الطَّاغي تظلّلني
فأرى جسور العشق تنقلني
نَحْوَ الفراغ الآدميِّ
فأكتسي ثلجاً، وأهطلُ بالَّذي في الأمس يقتلُني
أنا ماجفوتُكَ،
واقفانِ معاً على باب الحديقةِ
يُخْفيان وضوحَ عريهما بأغصان الشَّجْر
يتنقَّلان على جناحِ قصيدةٍ هدأَتْ ففاجأَهَا المطرْ
وبنى لها بيتاً وسمَّاها وغطّاها فنمنا قربَها
جسدين يرتجفان من لغة تناهَتْ في بياضِ لذائذٍ
وتمثَّلَتْ شمس الصَّباحْ
أنا ماجفوتُكَ...
كيف يَجفُو النّزفُ حنجرةَ الجراحْ؟.
___________
حزيران 1994