زفّة بَحْرِيَّةٌ - علاء الدين عبد المولى

وعليكِ أَنْ تثقي بأمزجةِ الطَّبيعةِ،‏
كي تعيدي الرَّائحَةْ‏
للوردةِ الحمراءِ في باب المغارةِ،‏
أو تزوري الأرضَ عاريةً‏
ليعثر كلُّ مسحورٍ على تعويذةٍ تحميهِ‏
من شرّ الجفافْ‏
وعليكِ أن تلدي وجوه الفَجْر زرقاءً‏
بعيداً عن قناع المعرفَةْ‏
فلنعصر العنقودَ ثانيةً ونملأ جرنَ لحظتنا‏
بخمرٍ كلَّما ذقناهُ ناولنا الإلهُ رموزَهُ‏
فلبستِ ثَوبَ الكاشفينْ‏
ولمستُ بَرْقَ الانخطافْ‏
ولنعترفْ –عند الرجوع إلى التّرابِ-‏
بأنَّنا في المشهدِ الأعلى تجاوَزْنا‏
حدودَ الأغنيَةْ...‏
... ... ...‏
ما زلتُ أدنو من تخوم الغابة العذراءِ‏
من حولي طيورٌ لا تُرى‏
ويدي رسائلُ نشوةٍ راحَتْ تصدّق حدسَها‏
وتطيرُ خارجَ سربها‏
لا تقطعيها من جنونكِ‏
حين تمتلئين باللَّذّات صاعدةً‏
كنَهْر النَّار فوق خيولكِ البيضاءِ‏
تكتشفين أدغال الفصولِ القادمَةْ‏
وخذي نشيدي كلَّهُ بالعَطْفِ،‏
لا تتردّدي بين المغنّي والغناءِ،‏
هُما محاولةُ الخروجِ من الدّمارْ‏
لعناقِ لَيْلكِ في النّهارْ...‏
ما بينَنَا نَحلٌ غفيرٌ، أطلقيه في رحيق المُطْلقَاتِ‏
لعلَّ ينعتقُ الجمالُ الفذُّ فيما بيننَا‏
وتكونُ رقصتُنا حواراً راقياً ما بين أطيافِ النّبيذْ‏
أصداؤُها عتِقَتْ وفاضَتْ في الجرارْ...‏
وتألَّقَ الرّوحُ النَّديمُ وشعشعَتْ فيه الحياةْ...‏
... ... ...‏
-"مولاي يا مولايَ‏
يا بحراً رمى أعماقَهُ في ليلةٍ منسيّةٍ‏
قُربي وغادَرَ قبل أن تُنهي الأصابعُ زورقاً،‏
ماذا تركتَ على الوسادةِ، فّلةً حمراءَ؟‏
أم أنشودةً تتنفَّس الأعضاءُ من ريحانها؟‏
ماذا جنيتُ لأدخل الأنواءَ في هيجانها؟‏
وأكونَ /مريمَ/ ذاتِكَ الزَّهراءَ‏
كيف أروّض البحَّارَ،‏
أسقيه نبيذَ الطَّقسِ‏
حتَّى يخرجَ العرسانُ من عمقِ المياهِ‏
يدافعونَ الموجَ عن أعناقهم‏
ويردّدون نشيد غبطتهمْ وهم مستسلمونْ‏
مولاي رفقاً بالقوارير النَّشاوى‏
ارحمِ الفصلَ الضَّعيفَ أتاهُ برقٌ وهو مكشوفُ الغصونْ‏
عيني عليكَ تهبّ من قدميكَ عاصفةٌ‏
تمهّلْ، واستندْ لمحارتي العذراءِ‏
هدهدْ فيكَ ذئبَ غريزةٍ‏
وارقصْ خفيفاً في قصور الماءِ‏
واسكرْ بالزّمّردِ واليواقيت الخرافيّهْ‏
مولايَ لستُ أقلَّ من عينيكَ جوعاً‏
لاكتشاف مخابئ اللّؤلؤْ‏
لكنَّ حرَّاس الجزيرةِ أغرقوا سفني فهل أجرُؤْ؟‏
اصمُتْ... لهذا البحر آذانٌ إلهيّهْ‏
سأغوص مثلكَ دون أمواجٍ‏
فمِّوجْني ولاعِبْني وشرِّقْ بي وغرِّبْ...‏
وإذا عثرتُ بذيل نوركَ فالتقطني عنوةً‏
واسكبْ عليَّ لهيب فضّتكَ المقدّس‏
وانتشرْ كالصَّوت فيَّ،‏
ولا تحاولْ أن تسمّي أيَّ شيءٍ‏
تلكَ باصرةُ البحار توهّجَتْ‏
قذَفَتْ على الشّطآنِ أسماكاً مذهَّبةً‏
وآلافُ القواقع تستديرُ لتختفي فيها‏
نطافُ العاصفَةْ‏
هذا متاعُكَ يا حبيبي فاحتملْهُ...‏
كم جميلٌ أن يكون البحرُ إشبينَ العناقِ مع الأبَدْ‏
فاجمَعْ لهذا العرسِ أقماراً تنوِّر سرَّ أسرارِ الإلهةِ‏
حين تخلُقُ ذاتَها من ذاتِها‏
ويشبّ نهداها على صدر الزّبَدْ‏
سأعود نحوَكَ زفّةً بحريَّةً‏
محمولةً بين النَّسيم وأمِّهِ‏
فاطلَعْ على ملأِ العذوبةِ صافياً‏
واعبُرْ لذيذاً كانشقاقِ الفَجْر من قَدَح النَّبيذْ‏
والعَبْ بآخرِ ظُلْمَةٍ تُرِكَتْ معلَّقةً على طرف السّريرْ‏
وادخُلْ على خِدْر الأميرةِ، يا أميرْ‏
واهمس بها ما يجعلُ الميناءَ كوكبَ زُهْرةٍ‏
والبحرَ ميداناً، ولاعِبْها غداً والآنَ..‏
والعَبْ..."‏
-لاعبيني لاعبيني‏
تحتَ فَيءِ الياسمينِ‏
وإذا غلبتُكِ سوف آخذُ برجكِ العالي‏
أبادلُه حنيني‏
لاعبيني لاعبيني‏
تحت فيء الياسمينِ‏
وإنْ غُلِبتُ، فأيمَّا أَخْذٍ خذيني...‏
-"مولايَ يا بحر اجتمعْ في شاعرٍ‏
ما زالَ يغزو قلعتي‏
وتكادُ تسقطُ بين كفّيه حصوني...‏
أمعنتَ في العَلَيانِ...‏
ماذا خلتَني؟‏
جملاً يشيل النَّهر فوق سنامِه؟‏
ويواصلُ الهجراتِ، لا يبكي على أيَّامهِ،‏
لا يعرف الشّكوى من الصّبّار، أو رملِ الظّهيرةِ؟‏
ليس من عاداته الأحلامُ،‏
والتّحديقُ في ما يفعلُ العشَّاقُ تحت خيامهِ‏
إذ يسدلونَ على مخادعهم شهاباً من قُبَلْ؟‏
عطشَ الجَمَلْ/ عطشَ الجَمَلْ‏
والماءُ لا يكفي، فَهَلْ‏
تتزوّج الصّحراءَ قاطبةً‏
لتدخلَ في "امرئِ القيس" المضلَّلِ‏
خَلْفَ لذّتهِ، ومُلْكٍ من عَسَلْ؟‏
أم تسكنُ "الوضَّاحَ" حين انداحَ في عصيانهِ‏
واختارَ مصرعَهُ لتمدحَهُ الأميرةُ بالبطلْ؟‏
صَبراً جميلاً يا حبيبي،‏
سوف يشتعلُ القرنفلُ مثلما كان اشتَعَلْ‏
خُذني الهوينى، وافتتحْ هذا الفضاءَ على مَهَلْ..."‏
... ... ...‏
قد تشطح الأنثى،‏
وقد تبني سماءً من زبرجَدْ‏
لكنّها تُبْقي على فردوسها قفلَ الغموضِ‏
وكلّما باشرتُها صحواً،‏
رأيتُ فضاءَ عينيْها تلبَّدْ‏
وأنا أحبُّكِ، أو أحبّكِ ظاهراً أو باطناً‏
وأحسّ أنيّ طيّبَ الأنفاس من رئتيكِ أصعَدْ‏
الآن تأخذُ سجدتي شكل الإشارةِ خلف معناكِ المجسَّدْ‏
العرشُ عرشك، فادخلي الصّرح الممرَّدْ‏
سأكون هُدْهُدَ روحكِ الرَّائي، لأشهدَ‏
تحت أطباق الصَّحارى نَبْعَ نوركِ قد تجرَّدَ،‏
فانظري ما تأمرينْ‏
إنّي ختمتُ أصول فقهِ الحبِّ‏
والأرواحُ قد عُلِّمْتُ منطقَها الحزينْ‏
فتلمَّسي خَتْمَ القصيدة فوق قلبي لا يريمُ‏
وإنَّه ممَّا يلقَّنُهُ الجحيمُ‏
وإنّه بسمِ الجمالِ الحرِّ، ربِّ العاشقينْ...‏
-"مولايَ... أوصلْني إلى بيتٍ بعيدٍ‏
خلف غابتِنا...‏
لتحملْ سلّة الأزهارِ عنّي‏
زيّنْ بها جسدي‏
وسلِّمني إلى الينبوعِ‏
بيضاءً سأخرج فاستلمْني‏
خذني إلى كوخ اللّيالي‏
رشَّ فوقي المسكَ،‏
واعقدْ حول خصري موجتينِ‏
تزوِّجان البحرَ من "عشتارَ"‏
أشعلُ حالكَ الباهي بحالي‏
سَمِّ الطَّبيعة باسمنا الغالي‏
وهلِّلْ في الأعالي‏
هيـ... يلالي‏
هيـ... يلالي‏
هيـ... للالي...‏
............."‏
14-12/11/1999‏