ظلال لذكريات آتية - علاء الدين عبد المولى
لم ينطفئ قمري
رأيتُ كلامه الفضّيَّ يسقطُ من مرايا خصركِ المضمومِ
مثلَ الأفْقِ سيَّجه الدّلالْ
هذا عراؤكِ في يدي:
صورٌ مركبَّةٌ
طيورٌ غادَرَتْ أعشاشها
فاستنفرت في الأفق زرقتَهُ
وخلف دمي تفتَّحت النَّوافذُ
واستطعتُ ـ وأنتِ قربي ـ أن أمسَّ دم الخيالْ
أسقطتُ عن كتفيكِ أثقالاً
وعن قدميكِ أجيال الغبارِ
أعدتُ فيك بداءَةَ الأنثى
أضأنا فجرها العالي
وعبَّأنا من الضَّوءِ السِّلالْ
والأرضُ قامَتْ من خريف نعاسها
امتلأتْ بنا ثمراً وفاضت بالغلالْ
أفقان نحن، نميلُ،
نحنو كلَّما جرحٌ تدلَّى نحو خلوتنا ومالْ
بيني وبين يديك يرتعشُ الهواءُ
ونحن إبريقٌ مصفَّى من عبيرِ الدِّفءِ
فوق حديقة الوجدان سالْ
شفتي تلملم من شفاهكِ أنّةَ الأنثى وطعمَ الابتهالْ
شفتي تُهجِّي، آه من نهدٍ يقولُ،
وآه من نهدٍ يُقالْ
لغتي أدارت للرّموز وجوهها
وكشفتُ عن أعماقها حجُباً
وفيها قد منحتُ الوهم اسمَ البرتقالْ
هل أنتِ من نادت من الحلم البعيدِ
وكان ديك الفجر يطلقُ في حقول الصَّمت خطبتَهُ
لأطلق في يدي عشباً، وأوقظَ في دمي
ـ من غفوةِ الرّؤيا ـ الغزالْ
قم يا غزالي المريميَّ بنا
أضئ في ظلمة السّفرِ الطّويلِ
فكم سهرتُ على سياج الموت ليلاتٍ طوالْ
لكَ يا حبيبي شرق قلبي
لك غربُ روحي، والجنوبُ،، لك الشّمالْ
فاسرح على مهلٍ وأَتْلِفني بسحركَ
يا حراماً راح يعصرُ في لساني
من عناقيد الحلالْ
ميراثُ ذاكرتي معابدُ أقفَرَتْ جدرانها
ونمَتْ على أبوابها الأشواكُ
فلتسفحْ غيومَكَ في قناطرها اشتعِلْ
فلها يطيبُ الاشتعالْ...
... ... ...
لم يكتملْ موتي
خطوتُ إليكِ عبرَ غيومٍ ريحٍ عاريَهْ
زوَّادتي قلّتْ، فكم هذي الطّريقُ تطولُ؟
كم جهةُ المباهج نائيَهْ؟
ريحٌ... جفون تَقْبِسُ الحمَّى...
وقلبي أرضُ شعب خاليَهْ
فرفعتُ نحوكِ راحتيَّ لتنفضي عنّي جليدَ الهاويَهْ
باركتِ آلامي،
و طهّرتِ البروجَ الشَّاعريَّةَ من طيور الضَّعفِ،
من قشٍّ تداهمُه الرّطوبةُ،
واستفقتُ... سكبتُ نورَ الفعل في أقدامِيَهْ
... ... ...
لكِ ذكرياتي الآتيهْ
لكِ رنَّةُ الذَّهبِ العتيقِ
ولك المصابيحُ الّتي نامتْ وقامت من عروقي
لك ما أرى في الصَّمتِ أو في الأغنيَهْ
فخُذي المغنِّي من مغارته وشقِّي صدرهُ
ولتُخْرِجي من قلبهِ جثثَ المعاني
لك يا فضائي بيتُ أعماقي
وهذا عرشك الفّضيُّ يا تاج الأغاني
... ... ...
كسرتْ أصابعُ شهوتي بابَ الرّمادْ
أتنفّسُ الآن الحقولَ جميعَها
أمشي كطيفٍ لا يُرى
متفتّحاً كالبرعم الكونيِّ
شفّافاً كفجر أزرقٍ أو أحمرٍ
ينمو لطيفاً في العبادْ
أمشي وأعرفُ أنَّ لي في الجنَّةِ الزَّهراءِ ساحرةً
تخبّئ أغنياتي في حقيبتها
فإنْ خلعتْ على أكتافِها ثوبَ المنامِ
ورمتْ ظلالي قربها وتجمَّعتْ كحديقةٍ في مهدها
أهدابُها شرفاتُ أحلامٍ تُعادُ وتستعادْ
فإذا حلمتُ، هنا، فنصفُ الحلم أتركهُ لها كي تُكْمِلَهْ
أمشي وتمشي قرب أحزاني، أغطيّها بعطر قرنفلَهْ
لا تسأليني كيف نختتم السَّفَرْ
الحبّ ماردُ قمقمٍ فُتِحَتْ أمام صعوده آفاقُ آفاقٍ، فطارْ...
لا تسأليني: من لهذا الحبِّ؟
هذا الغامضِ السّحريِّ نحنُ بهِ ولَهْ
ولَهٌ على ولهٍ،
ونحن ألوهةُ الولهِ الوليدِ،
ونحنُ عُبّادُ الولَهْ...
هو هكذا: أرضٌ وعَتْ أنهارَها
شمسٌ غَفَتْ في سنبلَهْ
هو جوهر الكون القديمِ
لنستعينَ على الجحيمِ بهِ
هو الأسماء وهو البسملَهْ
وهو النّقاط على الحروفِ
هو الرَّبيعُ على الخريفِ
هو الإجابةُ والدّعاءُ
هو المهابةُ والبهاءُ
هو الهوامشُ والمتونُ
هو التَّرامشُ والعيونُ
هو الجنونُ وحكمةٌ متحوِّلَهْ
كلّ الكلام يطالُهُ، لكنَّه يبقى بعيداً،
لا نرى شبهاً له وهو الخفيُّ المُشْتَبَهْ
هو عالَم بالأمسِ كان مكفَّناً
والآن، حقّاً قام حقّاً وانتَبَهْ
هو كلُّ شيءٍ
بضعُ شيءٍ
ليس شيئاً
آه منه إنَّهُ...
بل إنَّه...
ما أَعْجَبَهْ
ما أَعْجَبَهْ....
___________
1 / أيار/ 1995