قصائد تنقصها البداية - علاء الدين عبد المولى

(1) أرق الحبق
6/10/1998
حبقٌ يفتحُ باب الَّليل للشّعرِ...
وهذا القلبُ كأسٌ كُسرَتْ أمسِ،
وجاء الحَبَقُ المبدعُ يُحْيي كِسَرَ القَلْبِ،
ينيرُ الأفُقَ السَّاقطَ في بئر الغَسَقْ
فصلاتي لكَ مولاي الحبقْ
يا منِ الأرضُ له سجَّادةٌ منسوجةٌ بالعطرِ
باركني، وسامحني إذا أخطأتُ في الحضرةِ
فالشَّاعرُ خيَّالُ القَلَقْ...
يا مضيء الغيب نوّرْ جوهَرَ الوَقْتِ
أنا الأمّيُّ علِّمني الألَقْ
سيّدي القادم من كفّ حبيبي
لغتي تنهضُ من أنقاضها
وتحيّيكَ لتدعوكَ إلى مائدة جمّلَتها أنتَ
وإن كنتَ بعيداً خلف أحياءِ المغيبِ
وحبيبي: نشوةٌ خجلى،
ومفتاحُ عطورٍ،
برعمٌ صلَّى له الوردُ
أذانٌ ذهبيٌّ
وله منِّي خشوعٌ
وله أرفعُ أيامي وأرمي بدروبي
عند رجليهِ... لتعبُرْ يا حبيبي
معكَ الأرضُ ربيعٌ يتعالى
بعدَك الأرض كلامٌ لن يقالا
بعدكَ الوقتُ فراغُ القَلْبِ
نهرٌ غادَرَتْهُ الشَّمسُ والزَّورَقُ،
دَعْني ضفّةً أُخرى لأسفاركَ في الرِّيحِ
وخذْني عشبةً في طرفِ البيتِ
شعاعاً فوق مهد النَّوم
خذْني أرقاً
أو بابَ سردابٍِ يصدّ الرّيحَ في وجه الأرقْ
خذ يدي محبرةً واكتُبْ بها قَوْلَ الشّتاء
لترى الشَّاعرَ موشوراً من الأحزانِ مسلوبَ الضّياءْ
آه مولاي الحَبَقْ
لم أكنْ لولاكَ هذا الَّليل إلاَّ حَجَرَ النّسيانِ
بالصَّمت احتَرَقْ...
***
(2) نشيد للضَّجر
25/12/1998
إذا رَفَع الَّليلُ خيمتَهُ في طريق المَطَرْ
ولم ينتبهْ لمروري خفيفاً
كأجراس أنثى تنامُ ليصحوَ في قدمَيْها الغَمَامُ
فشكراً لهذا الحضور الرَّقيقِ
يعلِّق في ظلماتي ظلالاً
ويفتَحُ لي باب أسراره ويقولُ: تعلَّمْ
وما ليس لي صار لي، غير أنّي غريبُ الشّتاءِ
كثيرُ الضِّياءِ، وحيدُ الضَّجَرْ...
***
(3) أشفّ من الياسمين
25/12/1998
تكذَبني وتفيضُ يداها
كلاماً أشفَّ من الياسمينِ
تصدّقني عندما لا أراها
وتهربُ في غفلةٍ عن رؤاها
تقول: تقدَّمْ كأنَّكَ تسرقُ وقتاً
له دورةٌ لا يُرى منتهاها...
لها أنْ أبلَّ شتات مخيّلتي بشذاها
وأحملَها في كلامي كما يحملُ الله أسماءَهُ
أهاجرُ فيها لأهجُرَها
أقتفي فَجْرَها كلَّ حُلْمٍ أعدُّ خطاها
وأخطئُ ثمّ أعيدُ إليها قناديلها
أقبّل ضوء أصابِعها
أختفي بين أحداقِها لأحرِّر قلبيَ منها
أهذا هو الحبُّ؟
يأتي بلا موسمٍ ليحدّد أحوالَ زهرتِنا ونداها
أهذا هو الحبُّ؟
يسبَحُ في ملكوتِ العبيرِ
يعيد لها يوم كنتُ بها أتباهى...
***
(4) السلام عليك
25/12/1998
الصّباحُ عليكِ، عليكِ الضّحى والسَّلامُ
وجموعُ العصافيرِ بين هطولَيْنِ
تهبطُ حتَّى تقيمُ على جانبيكِ الصَّلاةَ
فحيث أقمتِ، صلاةٌ تقامُ
كيف لم تسجدي تحت قوس العناقِ؟
الصّباح يعيدُ إليكِ الصَّباحَ
لتعبُرَ منه خفاياكِ للانعتاقِ
***
(5) أرق /قلق/ خلق...
29/12/1998
ما الّذي يكفيكِ منِّي؟
أرقٌ أسقيهِ أشباحَ خيالاتِكِ تعلو
كنوافير الجحيمْ
والَّلظى يفتَحُ بابَ القمرِ العالي،
أرى وجهكِ حنَّاناً
ومجلوّاً كنبض منْ ذَهَبْ
أرِّقيني واذهبي فيكِ
هنا عيناي بئرانِ من الأحزانِ
أَلْقي فيهما ما شئتِ من ناياتِ أحلامكِ
إذ تبكي على آتٍ ذَهَبْ
أنا آذارُكِ يا أمُّ
ونيسانُكِ يا صحواً أتى بين شتاءَيْنِ
ويا ميلادَ قلبي المحتَجَبْ
أين أمضي بكِ؟ يا قِبلَةَ كَوْنٍ
فاحَ من مشرقها المسْكُ
وأغرَتْ حبَّةَ الفردوس أن تمتدَّ
حتّى تَسَعَ العالَمَ كلَّهْ
كلّما زوَّجتُ منكِ الّلغة الزَّرقاءَ
فاضَتْ جملةً في بَحْر جملَهْ
وأرى قنديلكِ الموحي دنا ثمَّ تدلَّى
من ظلام الكوكبِ الأعلى فأضواهُ،
ونادَيْتُ من النَّشوة: يااللهُ...
حتَّى صرتُ مثلَهُ
أعجنُ الطّين، ولكنّي أسوّيهِ على هيئةِ فُلَّهْ...
***
(6) محراب بلا تراتيل
4/1/1999
مرّ يومٌ فوق خيلٍ موحشٍ
لم ألوّحْ فيه للكرسيَّ مغموراً بألغازكِ...
كان البابُ مفتوحاً ولم تدخُلْ بروقي
كان محرابي يتيماً
لم أُقِمْ فيه تراتيل الضُّحى
ما سجدَتْ فيه أناشيدي
ولم أَلْق به رزقاً
وما نوديتُ فيه: يا صديقي
كنتُ فخَّار ضبابٍ يتداعى،
انسرَبَتْ خمرتُه بين الشّقوقِ
مَزَجَتْ أشجارَ غاباتي بإيقاع الشّروقِ
أنتِ أنثاي الَّتي تشرقُ من سيِّدتي الزَّهراءِ
حتّى أبجديَّات عروقي
***
(7) امتحان
5/1/1999
ملأتْ قاعَةَ الفجر بالضَّوءِ،
أدَّى الهواءُ أذاناً عتيقاً
وفي المهد حلْم كستْهُ غلائلَها
ليسيرَ على قدميهِ أمام المرايا...
نوِّري القلبَ بالقلبِ...
لو كنتُ أملكُ شأن المجرَّاتِ،
أجريتُ من قدميكِ السَّحابَ
وأبعدتُ عن غدِ عينيكِ ذُعْرَ الهواجسِ
واخترتُ وجهكِ زورقَ ماسٍ
أسافرُ فيه لأمحو ثنائيّةَ الضفّتينِ
وأطويهما مثل طيّ الكتابْ...
***
(8) ميلاد
5/1/1999
مرَّ يومٌ مُقفِرٌ من غير جدوى
"مريمٌ" فيه بكَتْ خلف جفوني
وعلى فخّاره المهجورِ ما بين الممرَّاتِ
رأيتُ القلبَ يروي سيرةً من ندمٍ
ما زال يُرْوى...
مرَّ يومٌ أنتِ فيه قطَّة خضراءُ في سَقْف الغيابِ
خمشَتْ روحيَ سرّاً
عندما فاجأني ظلِّي على باب العذابِ
ورؤى "فيروز" في مشوارها
تحملُ عنّي شاعراً ينتظرُ الميلادَ
في سرّ المغارَهْ
لتعيدي نطفةَ النَّار إلى الإيقاعِ
مولودُك هذا الشَّاعرُ الضَّائعُ في عينيكِ،
أو بين الظّلال الخُضْر في جفنيكِ،
من ضلعكِ يستولدُ عاداتِ الصَّباحْ
ويربّي في يديكِ الأرضَ نشوى...
لا تميلي عن ندى بيدرهِ في أوّل الفجرِ
وإنْ فاجأتِه مستضعَفاً
فلتكوني منهُ أقوى...
***
(9) نشوة:
(5/1/1999)
بيدي أزفُّ إليكِ فَجْرَ النَّارِ
وأضيفُ أسراراً إلى أسراري
بدمي أنيرُ هواءَ قلبَيْنا معاً
لتطولَ في قاماتها أشجاري
فتأهَّبي لدخول أعتاب الرِّضى
وتباركي في كعبةِ الأنوار
لكِ مائلٌ ظِلِّي كما مال المدى
بغيومهِ في مشهد الأمطارِ
يا جنّةً ما زلتُ أحلم أنَّها
سكَني، لتجري تحتها أنهاري
إنّي اصطفيتُكِ من عناقيد العُلى
لأكونَ سرَّ الخمرِ والخمَّارِ
فإذا انتشيتُ، هيَ القصيدةُ تنتشي
بجمالها المتناقضِ الأطوارِ
فدعي المغنّي صاعداً للمنتهى
بصعودهِ ينهارُ كلُّ جدار
فإذا تباطأ بالوصول مع الضُّحى
فلأنَّه جَبلٌ من الأوزارِ
لا توبةٌ تغْني المسافرَ في الدُّجى
فتألّقي في شمعة استغفارِ
قد يغفرُ الملكوتُ كبْواتي الَّتي
تُدْني صروحي من جنونِ دمارِ
لا جنّةٌ عندي، وكلُّ قصائدي
أنّي أزفُّ إليكِ فجرَ النّارِ...