مرثية لذاكرة القرن - علاء الدين عبد المولى

تشرين الأول- كانون الأول/1990 آذار/ 1991‏
/1/‏
سأقولُ: امرأةٌ تزوَّجت امرأةْ‏
ذكرٌ تزوج من ذكرْ‏
ولدٌ أطاح بأمِّه‏
وأبٌ يبيعُ بناتِه ليلاً ويبكيهنَّ فجراً...‏
/هكذا مرثيتي/‏
... ... ...‏
منذُ اندلاع اليأس من أظفارنا‏
منذُ انكسار الحلم فوق نهارنا‏
قالوا لسيرتنا خذي مسعاكِ في ماءٍ وأشجارٍ.‏
وحين تموّجتْ أعضاؤنا عرساً،‏
هوتْ أممٌ على أسوارنا.‏
واستنفرت صحراؤنا شكّاً: لمنْ هذا الرَّبيعُ؟‏
وسيرةُ الطين المهين ذوتْ،‏
وأطلقتِ المراثي نسلها فينا.‏
ستتحد العظامُ بنطفة الميلاد، إذْ‏
تلدُ الكواكب سرّها العلنيَّ،‏
يشرقُ من ضفافِ جنازةٍ قمرٌ.‏
وهذا وقتُ ما يهوي ليهوي،‏
سرُّ ما كانت شعوبُ اللَّيل تنسجه لأيام الشتاءْ...‏
... ... ...‏
أشرعتُ ذاكرتي لغزو الكوكبِ المصقول معدنُهُ،‏
رميتُ على جدار الجمجمةْ‏
صوراً لعشاقٍ تهادَتْ في أياديهم نواصي الوقْتِ.‏
لو أصغيتُ للأجراس لانقسمتْ خلايا الذَّاكرةْ‏
في حرب أصواتٍ تقودُ يدُ النبوءة خيلها‏
كلٌّ بما أبقتْ بقاياهُ يباشر بالغناءْ.‏
... ... ...‏
(ذو اللحية الحمراء) حدَّثني فقالَ:‏
/ستصرخُ الآلات، تُثري عائلاتُ المعدن الذَّهبيِّ،‏
ينكسر الفقيرُ، وتختمُ الفتياتُ أعراس الولادةِ.‏
خذ إذاً مرآةَ- رأس المال- واكشفْ غمّةَ الكون الفقيرِ‏
افتح لخطوتك الضّبابَ، ستحفُر الطبقاتُ مقبرةً،‏
وتصعد جمهرات الفقر من ليل المداخل، تلبسُ‏
الفتيات شهوتهنَّ، ينسدلُ الحجابُ على قبور الأنبياءْ/‏
(ذو اللّحية الحمراء) قال الدينُ أفيونٌ وأوغَلَ في التّرابْ.‏
... ... ...‏
هي قبَّةُ الميراث تحضنُ ما تُبعثرهُ القبائلُ،‏
كانت الأقوامُ تنحت للمدى محراثَها الخشبيَّ،‏
فانفتحت سجونٌ من خشبْ‏
وتذهَّبَ المحراثُ، فانفتحتْ سجونٌ من ذهَبْ...‏
ذهَبَ الكلامُ مع الغمام، وعائلاتٌ فاجأتْها الرّيحُ‏
تتخذ السواد وسائدا‏
وقصائدُ الأرحام تنشدُ في العويل قصائدا‏
فبأي حرب سوف نفتتحُ احتفالَ الرّوح؟‏
نحشد للخلائق ذَرَّةً أم ننتقي ذُرةً لمَنْ‏
تذروه كفُّ الموت في مذراة مأساةٍ؟‏
هويْنا، وانحنينا تحت باب الأرض حتَّى‏
يعبر السرطانُ مملكةَ الهشيمْ...‏
إيقاعُ يا إيقاعُ، ألْقِ على هياكلنا القرنفلَ والغلالَ،‏
سترتدي مدنٌ ملامحَ فاتحيها،‏
يكملُ الفقراءُ سيرتهمْ، ويسفحُ كلُّ جوريٍّ عبيرهْ.‏
وأنا أغافل زهرةً الكون الصغيرة:‏
/مدي لهاثكِ في رئات القادمين من الغيابْ‏
وخذي منازلنا، وكم سقطتْ سقوفُ ربيعها‏
وخذي خرافَ الحلم إذ يتشقَّقُ الأطفالُ تحت ضروعها‏
وخذي الشروخَ الآدميةَ، إذْ نرى الملهاةَ تسند أرضَنا‏
فيسيل فحم تنتشي منه الجهاتْ‏
دارُ الفصولِ تيتَّمَتْ بشريّةٌ فيها، وباعتْها الحياةْ‏
وَغَدٌ يلوّحُ، دولةٌ مطريةٌ تحبو، تضمُّ النَّاهضينَ من الحرائق‏
وهناك أبصرُ عالماً يدنو إلى شرفاتِنا‏
ويضيفُ أمواتاً إلى أمواتِنا‏
والحبُّ يطفىء نارهُ بعد العشيّات الفقيرهْ‏
يا زهرة الكون الصَّغيرهْ/‏
... ... ...‏
(ذو اللّحية الحمراءِ) دون رؤىً رأى، وأنا رأيتُ‏
وبكى، وإني قَبْلَهُ سرّاً بكيتُ‏
فمضى، ولكنّي أتيتُ‏
لأقول: امرأةٌ تزوّجتِ امرأةْ‏
ذكرٌ تزوّجَ من ذكرْ‏
ولد أطاح بأمِّه‏
وأب يبيعُ بناتهِ ليلاً ويبكيهنَّ فجراً...‏
هكذا قرن تجوهرْ‏
كلٍّ يباشرُ بالغناءِ وقد تعثَّرْ‏
.... ... ...‏
ورأيت (ذا الكوفيةِ الحمراءِ) باركَ جندُهُ قَصْرَ الشّتاءْ‏
فرفعتُ للأرواح كوخاً من شقاءْ‏
... ... ...‏
طيري بخابيةِ المراثي يا شعوبْ‏
إذ كلُّ فخّار سننقُشُ فوقَهُ شِعراً تدوّنُهُ القلوبْ‏
وعلى مشارف فجرنا‏
عهدٌ لخطواتٍ الطفولة حين تَعْثرُ بالحروبْ‏
فيهيءُ الآباءُ هاويةُ بحجم الكون...‏
عهدٌ طيبٌ قدْ يرفَعُ الفقراءُ هيكَلَهُ،‏
وعهدٌ غائبٌ سيلملمُ الأمراء ساحتَهُ،‏
وينسحبون يقتسمون مجداً هاوياً في ظلّ صفصاف الغروبْ‏
عهدٌ يباشر نَصْبَ أعمدةٍ الكيان الآدميِّ،‏
يتوّجُ الرّؤيا بشمس نهاره‏
من أينَ هذا الليلُ يَدْخُلُ كالغبار من الثّقوبْ‏
وعلى صدور النائمين، وفي الأصابع منهُ زوبَعةٌ‏
تشعّ به السّجون، يتيه ذئبُ الرّوح في أسرارِه‏
عهد توالد عهُرهُ في كلِّ ضاحيةٍ‏
وكلُّ حديقة يبسَتْ لَهُ أشجارُها‏
وترحَّمتْ سرّاً على أمطاره‏
إذ طاف (ذو الكوفية الحمراء) في نهر الفصولِ‏
يوزّعُ الأشواك من أظفاره‏
هل يعتلي عرشَ الفضاء ليغزل الشّعراءُ رؤياهم على أوتاره؟‏
... ... ...‏
ها تنحني خطواتُ أجدادي لشيطان الرَّمادْ‏
قبري يضيقُ، وفيه تتَّكىءُ البلاد على البلادْ‏
يستعمرُ الوثن المدنَّسُ تربة الروح الشَّريدْ‏
ويغيبُ في ليل تُمَدَّدُ فيه أعضاء العبادِ‏
كأنَّها التّابوت ينبض بالسَّوادْ‏
مَن كان من حجرِ، ففجرٌ من حَجَرْ‏
مَنْ جاء من عِرق نقيٍّ فهوَ أقنومٌ يثلّثُهُ البشرْ‏
من كان من طين فلن يقوى على عشقِ المطرْ.‏
والأرض ترفَعُ قبّةَ الهذيانِ، تلتحفُ المدائنُ بالجنودْ‏
بالثَّلج... تحتَ الثَّلجِ كان الرّوحُ كَمّاً مُهْملا‏
والوقت طاغوتٌ تجلَّى واعتلى‏
عرشَ الجواري والعبيدْ.‏
... ... ...‏
هذا هوائي في مَهَبّ الفجرِ،‏
أغسِلُ فيه حنجرةَ الشّروق بجرَّةِ الأحلامِ‏
والأنهارُ عاريةٌ من الماءِ‏
الطفولةُ من أصابعها‏
النّساءُ من الولادة، والفضاءُ من الفضاءْ‏
فبأيّ معجزةٍ يباركنا الحكيمُ، وكيف تمنحنا دفاتُره القصائدَ؟‏
هل سيزرع ليلَنا باللَّيل؟‏
هذي فكرةٌ تمشي وراء المعطف الثَّوريِّ،‏
قبعةٌ تخبّىءُ دولةً تزهو بجمجمة فقيرَهْ‏
هي آيةٌ للحكمة الأولى الأخيرهْ‏
هي نفحةٌ للفجر؟ أم عرشٌ لسلطة فكرةٍ‏
جَهَرتْ بها أسنانُ آلات غفيرهْ؟‏
هذا صباحٌ هبَّ من أعضاء موتانا:‏
مشانقُ أم حدائقُ؟ ما الذي تزكو به الأعضاءُ؟‏
يكبرُ ظفْرُ أسئلتي يحكُّ جلودنا الجوفاءَ،‏
أبصر نخلتي خطفت ، وزهرة أمتي‏
سقطتْ على مستنقع الخلفاء...‏
يا أرضي ويا مائي ويا ذريّةَ الفقراءِ‏
لي هذا الشُّرود وراء هاويتي، ولي‏
ميثاقيّ الدَّمويُّ، هذي خطوتي‏
لي، جنَّتي لي، أسكبُ الصَّحراءَ في رئتي،‏
أشمُّ عبيرَ نجدٍ في جماجم صَبْوتي...‏
... ... ...‏
يا رافعاً في الرّيح جمهوريّةً حمراءَ،‏
يا اسراءَ ثلجٍ أحمرٍ فينا، سلامْ‏
الآن تكشف زوجةُ الأحلام عورَتَها، ولا يبقى هنا‏
إلاَّ الكلامُ يجرّ أشلاء الكلامْ...‏
/2/‏
مَنْ جرَّ أشلاءَ الكلام لتحملَ اللّغةُ الدَّفينةُ شكلَ قاتلها؟‏
حروبٌ كرّرتْ ميقاتَها‏
غشيتْ مراعي الخلق تحصدُ في الرَّبيع نباتَها.‏
أدمنتُ ملهاةَ الشَّظايا، والخنادقُ حول أعناق الكروم‏
تدورُ تملؤها الأفاعي‏
يا أمّةً ضاعت وضاعَتْ في الضَّياع‏
تدافعي في فجرِ حربٍ تستطيلُ كجثَّةٍ هتِكَتْ،‏
وشوهد نَتْنُها يهوي، ويهوي كلُّ ما يخُفْي‏
الضَّفادعَ في النُّخاع‏
يا أمّةً فتَحَتْ ذراعاً للهواء الأجنبيِّ،‏
فأجفلَ المُهرُ المحمحمُ في الذِّراعِ‏
خذي جذورَكِ من مدافنِكِ الجديدة،‏
ربَّما نَهَضتْ طفولتنا لتتبَعَ وجَه بارئها الحديديِّ،‏
أخُرجي من أوّل النَّخلات، واتَّخذي من الطَّاغوت غوطته،‏
أقيمي من خيولك سورَ سجنٍ،‏
هكذا: يأتي القناعُ إلى القناعِ‏
وينتمي الفقراءُ للفقر، القصيدةُ للصِّراعِ.‏
وتشيع أغلالٌ، ويستندُ الجياعُ على الجياعِ‏
هذا فضاء للتَّداعي...‏
ذاتَ احتراقٍ قلتُ/ هذه أمّةٌ هرمتْ/ فمَنْ باغٍ لينكِحَها؟‏
ومَنْ بالغيبِ متَّصلٌ لينفضَ شيبَها؟‏
قرن مضى، قرن سيمضي قبل أن تلدَ الصَّحارى ربَّها‏
والأعور الدّجالُ أدلى دلوهُ‏
ورأى كريّات الدّم العربيِّ فاسدةً،‏
فلقحَّها بـ(بيتٍ أبيضٍ) إذْ باضَ بين خضابها ذهباً‏
وقال: تباركَ الرّوحُ المدجَّنُ والمغيَّبُ دونَ أرضِ.‏
قرنٌ سيمضي‏
والحربُ لا تمضي، هي الحربُ التي تمشي وراءَ نسائنا‏
تهوي على أجسادِنا عَلقاً، يمصُّ سلالةَ الميراث بين دمائنا‏
والأمةُ انقسمّتْ: أمعجزةُ الفضاءِ تعيدُ للشَّيخ الصِّبا؟‏
أم- وحدةٌ- هزَلتْ عجيزتُها وضاجَعَها العدوُّ على سريرِ فضائنا‏
قرنٌ مضى، قرن‏
ونحنُ نعلّقُ البعثَ الوليدَ على جليد الوحي، أوْ‏
ننسابُ خلف سؤالنا العبثيِّ: هل (جبريلُ) يعرفُ‏
أين تُنْصَبُ خيمةُ القرآن؟ في أرض الجزيرهْ؟‏
أم في الضّفاف اليابسات من الغناءِ، يضيءُ فيها الوقتُ‏
شمعَتَه الفقيرةْ؟‏
... ... ...‏
أأذيعُ سرّاً إذ أقول لأمَّتي:‏
ضيقي. وهذا الأفْقُ أضيَقُ من شهيقي‏
ضيقي. فلا ورقٌ لنشعلَهُ لتتّحَد الحديقةُ بالحريقِ‏
ضيقي. وما أعلى السَّحاب، إذ التّرابُ‏
يبيعُ كوكبَهُ لصهيونيَّةٍ صُهِرّتْ بصلصال العروبةِ‏
ثمَّ صبّتْ شمسها في صحنِ مَشْرِقنا ومغربِنا الشَّفيقِ‏
ضيقي وضيقي، صعِّدي الجدرانَ أعلى بين أقطارٍ مقطَّرَةٍ،‏
ولا تُصغي إلى فَرَس البروقِ‏
ضيقي علينا، نحن كوخٌ عاشَ فيه الرّوحُ فصلاً عارياً،‏
نزفتْ أصابعُه ثلوجاً، واحتمتْ أزهارُ عينيه‏
بأحلام الرَّحيقِ‏
ضيقي على حلم العبيدِ يزوّجونَ إناثهم للنَّهر،‏
علَّ الشَّمسَ تُخرجُ كنزها من جثّةِ الجسَدِ الغريقِ‏
ضيقي على الأرحام، تحشوها المعادنُ ظلمةً،‏
وتُبيحُها لجلالة الوادي السَّحيقِ‏
هو أخطبوطُ العقم يزحَفُ، املئي فخذيكِ من جيفٍ،‏
وضيقي، ثمَّ ضيقي، ثمَّ ضيعي‏
يا أمّةً كفّنتُ جثَّتها فُلفَّتْ في ضلوعي...‏
... ... ...‏
هذي القصيدةُ أين تدفنُ وجهَها اللّغويَّ؟‏
والأرضُ الصَّغيرةُ أتخمَتْ صحراءَها جُثث اللّغاتْ؟‏
آنستُ فيها جذوةً عصَفَتْ بها ريحُ الجهاتْ‏
أألمُّها وأضيعُ في حربٍ تحرّرُ من مخابئها وحوشَ الكائناتْ؟‏
حربٌ تدورْ‏
حربٌ تئنّ عظامُها تحت الصّدورْ‏
حربٌ تدورْ‏
جثثاً يوزّعها الجنود على النّسورْ‏
حربٌ تدورْ‏
طاحونةً تُلقي إليها الأرضُ عيدَ حصادها، والأرضُ بورْ‏
حربٌ تدورُ ولا تدورُ، فمن يديرُ ومن يدورْ؟‏
والأفقُ مركبةٌ تضيءُ دماغَنا الطِّينيَّ،‏
نَنْذُرُ تَمْرَنا لتمرَّ.‏
نحن نطافُ هذا الكون، حشدٌ من لآلىءَ في جماجمِنا،‏
وليلٌ من خلودٍ تحتَ خيمتِنا،‏
فمنْ مِنَّا يؤوِّلُ: جمهراتِ الفقرِ،‏
أرصفةَ الصقيع، وسلطةَ الحزن الغفورْ؟‏
قرنٌ يثور، ونحن جِلدٌ يستطيلُ عليه ثعبانُ البثورْ‏
قرنٌ يثورُ، ونحن مملكةٌ من الثّيرانِ،‏
تنثرنا المهاوي أو تجمِّعُنا القبورْ‏
هل قالت المدنُ الفقيرَةُ فقرَها؟‏
هلْ قامت الأريافُ تنشىءُ فجرَها؟‏
فقرٌ وفجرٌ، والزّمانُ يقودُ أحصنةَ المكان إلى الخرابْ‏
ما كان فصلاً في مسيرة حلمنا هذا الخرابْ‏
هو فجرُنا الخشبيُّ ينخُرُ شمسَهُ دودٌ‏
وتشرُدُ فيه جائعةُ الذّئابْ‏
هو جيلنا المنسيُّ في النِّسيان، فوق رفوفِ هذا العالمِ‏
المنهارِ، يكتُبه ويمحوه الضَّبابْ‏
جيلٌ بلا عسلٍ، فما هذا الذّبابْ؟...‏
... ... ...‏
فتح الهواءُ ثقوبَ جمجمتي، فسالَ تراثُ تيهٍ،‏
كنتُ أبدأُ من خروج القيح من آذان مجزرةٍ،‏
وأبدأ من سحابٍ لا يلبّي لغزَ عاصفتي،‏
وأبدأ من ضلالاتٍ شربتُ حليبها المسمومَ بين‏
الصُّلب والأرحامِ...‏
يا جيلي المشوَّهَ والمهوَّشَ والمهمَّش والمهشَّم‏
كيف تُبعَثُ أمَّةٌ ما زلتَ ترقبُ كيف تبقُرُ بطنَها أممٌ؟‏
جدارُكَ واطىءٌ ياجيلُ،‏
أعلى منكَ برجُ اليأس والزّيف المعمَّمْ‏
أكفرتُ بالتَّوحيد والتَّثليث والتَّربيع والقسَم المقسَّمْ؟‏
يا جيليَ المشروخَ تلكُ فصيلةُ الأحلامِ قد فُصِلَتْ مفاصلُها،‏
وزُوِّرَ صوتُ كاهنها المعظَّمْ‏
وهوتْ توابيت الكواكب في يديكَ‏
وكلُّ تابوتٍ كتابٌ عن دخولكَ في طواحين الهواءِ.‏
وكيف تُهزَمْ...‏
... ... ...‏
أسلَمْتُ للطُّرقاتِ ذاكرتي، وأسرجتُ المراثي، قلتُ:‏
تيهي في المدينة، والمدينةُ كاسدهْ‏
هذا نهارٌ من مسيلِ الوقتِ أرصدُهُ وأفضحُهُ،‏
مشيتُ على أصابع فكري العاري،‏
الخلائقُ سرُّهُمْ عَلنٌ، وأكبرهُمْ بحجم الشاهدَهْ‏
وقرأتُ فوق جدارِ مقبرة هوى:‏
/الأرض: امرأةٌ عجوزٌ زُوِّجَتْ للذَّرَّةِ العمياءِ،‏
فاحتَفَلَتْ بمقتلها القنابلُ، صاحَبَتْ رحماً‏
تغسِّلُها الدّماءُ الفاسدَهْ/‏
أبصرتُ- كنّاساً- فقلتُ:‏
/قذارةُ الأحلام نحنُ، تعالَ وادخلْ في حدائق دهشتي‏
واكنس بقايا ليلة سكرتْ بها الأجداثُ، واسحبني‏
بعيداً عن ملامح أمَّتي/‏
في آخر- السّوق- المقنَّع بالطَّهارة، كان شيخٌ‏
يحتمي بهزالِهِ/ يا بائعَ الآس العجوز،‏
بأيّ مقبرة ستدفنُ؟/ قالَ:‏
/عند اللّيل أفتح جثّتي‏
فيسيل أطفالي: أشيَّعُ فوق أيديهم، وأُحشَرُ في‏
صفوف الأنبياء، معي رغيفٌ قد يرمِّمني إذا‏
ما الجوعُ أذَّنَ في خرائبِ جنَّتي/‏
... ... ...‏
هي وحشةٌ تنمو، وذاكرةٌ يزهّرُ في زواياها ربيعٌ من شقاءْ‏
فأقول للشّعراء: كيف نذيعُ أسراراً دفنَّاها‏
مع الأموات، نرفَعُ عن جماجمنا غطاءَ الحّبِّ،‏
ننشرها على اسوار ، نلقيها بآبار الدمار؟‏
فسمعتُ ((إليوتْ)) في الزَّمان الهشِّ يدعونا‏
الرجالَ الجوفَ، يسكُبنا بأرضٍ ترضع اللّعناتُ‏
من أثدائها، وتموتُ آلهةٌ على أردافِ معبدها،‏
وتُتَّخَذُ النّساءُ بها سقوفاً للسّجونْ‏
أرض لها بصّارةٌ ينمو بها بصَلُ البصيرةِ يابساً‏
يأتي إليها المؤمنونْ‏
لكنها امرأةٌ تعلّقُ جوقَةَ الحكماءِ من خيط الجنونْ‏
هنّ العجائزُ ينتقين غداً لأمتنا، وكيف تكونُ أمَّتنا،‏
وكيف غدٌ يكونْ...‏
هذا زمانٌ عجزُهُ في معجزاته، أيّ عكّازٍ سيسنُده؟‏
وكيف يحنّ فيه العاشقونْ؟‏
/هذا زمانٌ- مثلما- يتخيَّلونْ/‏
يا أرضنا تيهي وراءَ نبيِّنا الأعمى، فإنَّا تائهونْ‏
/3/‏
سأقول: امرأةٌ تزوَّجت امرأةْ‏
ذكَرٌ تزوَّج من ذكرْ‏
ولد أطاح بأمِّه‏
وأبٌ يبيع بناتِه ليلاً ويبكيهنَّ فجراً...‏
هكذا قرن سيمضي‏
هكذا مرثيتي تمضي...‏
فمن يبكي عليّْ‏
والقرنُ يَهْرُبُ من يديّْ؟‏