سـَــهَرُ الحريق - علاء الدين عبد المولى

لوجهكِ يسجدُ القلبُ الفقيرُ
ومن عينيكِ مئذنتي تنيرُ

وأتلو فيكِ آياتٍ كراماً
تردّدها، على وجْدٍ، طيورُ

مجيئكِ نبضُ أوردتي خطاه
وخلفكِ جنّةُ الدّنيا تسيرُ

أشيرُ إليكِ في ليل القوافي
وليس إليّ من أحدٍ يشيرُ

نسجتُ عباءةَ الأسرار منّي
لكونٍ دونَ أجنحةٍ يطيرُ

فكيف نسيتِ قلبي- وهو قطبٌ
به أفلاكيَ الثَّكلى تدورُ-

على حَجَرٍ يُدَقُّ؟ ألستِ منه؟
ونبعُ رؤاكِ من دمه يفورُ؟

أيَرْفَعُ نعشَهُ؟ فليَبْقَ أعلى
فقلبي كم تضيقُ به القبور

قذفتُكِ في هواء المسك ثمَّ-
- انتشيتُ بما تبوح به العطور

فعِطرُ الليل، والجوريّ، واليا
سمين الثّرُّ، والحَبَقُ المثيرُ

أكُلُّ العطرِ ينفَدُ في ثوانٍ
وكانتْ منه تنبثق البحور؟

دعتكِ الأرضُ قِبْلةَ زارعيها
يؤذّنُ عندها القمحُ الوفيرُ

تُقامُ لها الذَّبائحُ كلَّ عيدٍ
تُوَفَّى تحت رجْلَيها النّذورُ

وينعقدُ الخَرابُ على هَواها
لتولدَ تحت سرَّتها العصورُ

تثورُ لها الأغاني ذاتَ عقمٍ
وترجع، بطنُها عسَلٌ يثورُ

لها في كلّ عرسِ حُقُّ ماسٍ
يَمُدُّ له أنامَلَهُ الحريرُ

تَرودُ العالَمَ الأعلى وتهوي
هُوِيَّ البرق ترقبهُ الفطورُ

ولمَّا أنْ تجيءَ الحقلَ تَعْبى
يفضّ غطاءها راعٍ- أميرُ

هيَ العذراء تحمل بالبرايا
ويملأ حَمْلها خَلْقٌ طهور

أقولُك حين يخلَعني كلامي
وأصحو حين لا تكفي الخمورُ

لأُخْرِجَ من تراب الدّفء زقّاً
تدورُ عليهِ -مختوماً- دهورُ

ولا ندمانَ لي غيري، وإنّي
لَفَرْدٌ في توحُّدِهِ كثيرُ

أأنتِ جميلةٌ من غير عيني؟
وإن عميَتْ، جمالُكِ ما يثيرُ؟!

عمى الأبصار لا يُخْشى عليه
فذاك نَبيّ أعماقي بصيرُ

((سموتُ إليكِ حالاً فوق حالٍ))
وقصرُكِ شاهقٌ وأنا قصيرُ

أطلِّي من مقام الرّفق أمّاً
فأمّي حُجِّرَتْ وأنا صغيرُ

مدَدْتُ لها- على شلَلي- جسوراً
فهبَّتْ ريحُها وهَوَتْ جسورُ

رقصْتُ لها على ساقٍ كسيحٍ
وكان جنازتي النَّغمُ الأخيرُ

وما يأتيكِ طفلٌ تحت جلدي
على أنّي بطفلي أستجيرُ

هواءُ النَّاي في رئتي ذبيحٌ
تنفَّس نَزْفَهُ الدَّامي الضَّميرُ

عجنْتُ عويلَهُ بظلامِ روحي
فطاف على دمي قمرٌ كسيرُ

وصَدْري بُحَّ إيقاعاً تشظَّى
شهيقاً، ثمَّ أعجزَهُ الزَّفيرُ

أنا سَهَرُ الحريقِ تكادُ تغلي
على نيران أعصابي قدورُ

قدورُ اليأس عارمةٌ وإنِّي
لَيَطُلُبُ زادِيَ العمرُ الفقيرُ

مقامُ الموتِ سيّدتي مقامي
وأطرافي لحضرته بخورُ

تعالَي ولْوِلي حَوْلي وقُولي
دُفنْتُ هنا وما يأتي نشورُ

رفعتُ لنجمةِ الصُّبح احتضاري
ومَوْتى الكونِ في قلبي حضورُ

وكنتُ أزور أحبابي فَهَلْ لي
-إذا شُيِّعتُ- من أحدٍ يزور؟

___________

تموز /1993